هذا مخطوط لرسالة بعث بها الشيخ العلاّمة سيّدي محمّد بن عبد الرّحمن الدّيسي لرجل يُدعى عبد الرّحمن ، ويبدو أنّه من المشايخ وذوي العلم حسب مقدّمة الرّسالة ، والمخطوط يحوي جوابا مفصلا في مسألة " التنكيس " في قراءة السور المرافقة للفاتحة في الصلوات :
نصّ الرسالة : الحمد لله وحده وبه نستعين ، وهو نعم المعين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عين الأعيان ونبراس الزّمان منوّر طريقتنا الرّحمانيّة ومُعلي منارها الأستاذ الكامل الشيخ سيّدي عبد الرّحمن والأولاد والمتعلّقات والإخوان ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وعلى سائر من يحويه مقامكم الكريم من صحب وتابع وخديم.
أمّا بعد فإنّنا بخير وداعون لكم به ، وإننا على محبّتكم مثتذكّرون فضلكم وإحسانكم ، أدام الله عزّكم ومجدكم ومن مدد أهل عنايته أمدّكم ، وقد تشرّفنا بجوابكم وفرحنا به ، حيث أفادنا سلامَتَكم فالحمد لله على ما أنتم عليه من الأمن والصحّة ، وتلك هي النّعمة العظمى لما أسدى الله على أيديكم من نفع العباد وإصلاح البلاد ، هذا والمسألة التي سألتمونا عنها هي مما يدور على ألسنة العوامّ وكنّا سمعناه قديما ولا أصل له في مذهبنا ، وإن نُقِل من بعض الطرق أو بعض الكتب المجهولة التي لا عبرة بها ، أو هو دخيل من بعض المذاهب المهجورة فيكون من باب التشديد لا على حقيقته ، لأنّ غاية ما فيه لو صحّ الكراهة وهي لا توجب ما ذكروه ، وعُمدة مذهبنا الذي يُرجَعُ إليه في تصحيح العبادات وتصحيح المعاملات هو (مختصر الشيخ خليل) المبيّن لما به الفتوى ، ولا شيء من ذلك مذكورٌ فيه ولا في شروحه على كثرتها ، ولا وقفنا عليه في شروح الرّسالة ولا في غيرها من الكتب المُعتَدّ بها ، فبناءً على هذا إنّ ما بلغكم عن بعض الطلبة لا أصل له ولا تقبله القواعد الشرعيّة والأصول الفقهية ، ومعاذ الله أن يكون مَن قرأ سورة من القرآن المُتَعبّد بتلاوته الذي هو من أفضل الأذكار فإنّه كلام ربّ العالمين ، كمن ارتكب أعظم الكبائر المُجمَع على تحريمها : من الجمع بين الأختين أو بين المرأة ومحرمها ، والمذاهب كلّها متفقة على تحريمه، هذا مما لا يقبله عقل ولا يشهد له نقل ، وحاصل فقه المسألة أنّ قراءة السورة والمُراد ما زاد على الفاتحة ولو آية سنّة ، ويُستحبّ أن تكون القراءة على ترتيب المصحف ، فيقرأ في الرّكعة الثانية بسورة تحت التي قرأ بها في الأولى سواء كانت تليها أو فُصل بينهما بسورة أو بسورتين ، خلافا للحنفية القائلين بكراهة ذلك ويقولون أنّه هجرٌ للسورة الفاصلة ، ويُكره إعادة السورة التي صلّى بها في الثانية ويثكره التنكيس بأن يصلّي في الثانية بسورة فوق التي صلّى بها في الأولى ، ومما يُكره أيضا الجمع بين سورتين في ركعة في الفريضة ، هذا غاية ما وقفنا عليه من التفصيل في المسألة ودونكم كلام العلاّمة الدّسوقي وغيره ، قال الدّسوقي في حاشيته على الدّردير عند قول المصنّف (وسنّتها سورة بعد الفاتحة ) ما نصّه : " ويُندب أن يكون ترتيب السور في الرّكعتين على نظم المصحف ، فتنكيس السورة مكروه " وفي حطّاب ( يشير إلى الحطاب صاحب كتاب " مواهب الجليل ") : " إن قرأ في الركعة الأولى بسورة الناس فقراءة ما فوقها في الركعة الثانية أولى من تكرارها ، وحرّم تنكيس الآيات المتلاصقة في ركعة واحدة " أ.هـ . وهذا ما أمكننا في الجواب عن السؤال تحريرُهُ ، وتيسّر لنا في الحال تقريرهُ ، مع اشتغال البال بهمومِ وأوجال ، وتدومون في عافية ونعم ضافية ، آمين والسلام.
إملاء من الأستاذ الشيخ سيّدي محمّد بن عبد الرّحمن ( الدّيسي) بزاوية الهامل أدام الله وجوده ، آمين في 15 ربيع الأوّل سنة 1338 هـ ( الموافق لـ 08 ديسمبر 1919 م).
ملحوظـــة : - حسب معاينة شخصيّة ومقارنة أوّلية فإنّ الكاتب لهذا المخطوط هو الشيخ المرحوم أحمد أبوداود بن عبد الرحمن ابن الشيخ الدّيسي – رحمة الله عليهما -.
- الرسالة من مكتبة الشيخ بن عزوز القاسمي - رحمه الله - وهو ابن أخت الشيخ الحفناوي .
|
|