قال تعالى:
"ألم يأن ِ للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون"
يُروى أنه كان في بني اسرائيل شاب عَبَدَ الله عشرين سنة, ثم عصاه عشرين سنة, ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته, فساءه ذلك فقال: إلهي أطعتك عشرين سنة, ثم عصيتك عشرين سنة, فإن رجعت إليك أتقبلني؟ فسمع قائلا يقول ولا يُرى شخصه:
أحببتنا فأحببناك, وتركتنا فتركناك, وعصيتنا فأهملناك, وإن رجعت إلينا قبلناك
الغفلة تزيد الحسرة, الغفلة تزيل النعمة وتحجب عن الخدمة, الغفلة تزيد الحسد, الغفلة تزيد الملامة والندامة
حُكي أن بعض الصالحين رأى استاذه في المنام فسأله: أي الحسرة أعظم عندكم؟ فقال: حسرة الغفلة
وحُكي أن رجلا من الصالحين رأى والده في منامه فقال: ياأبت كيف أنت, وكيف حالك, فقال له: ياولدي عشنا في الدنيا غافلين, ومِتـنا غافلين
قال مالك بن دينار: سمعت الحجاج وكان شيخا عالما يخطب وهو يقول: رحم الله إمرءاٍ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره, رحم الله إمرءاٍ أخذ بعنان عمله, فنظر ماذا يريد به, رحم الله إمرءاٍ نظر في مكياله, رحم الله إمرءاٍ نظر في ميزانه. فما زال يقول حتى أبكاني .رب لذة أوجبت حسرة, وزلة أعقبت ذلة, ومعصية سلبت نعمة, وضحكة جرّت بكاء
وذكر عن ابراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أنه أراد أن يدخل الحمام فمنعه صاحب الحمام وقال: لا تدخل إلا بالأجرة, فبكى إبراهيم وقال: اللهم لا يؤذن لي أن أدخل بيت الشياطين مجانا فكيف لي بدخول بيت النبيين والصديقين مجانا
قبورنـا تـُبنى قبل أن نتـوب
ياليتـنا تُبـنا قبل أن نمـوت
وفي عيون الأخبار, ذكر عن شقيق البلخي أنه قال: الناس يقولون ثلاثة أقوال وقد خالفوها في أعمالهم: يقولون نحن عبيد الله, وهم يعملون عمل الأحرار, وهذا خلاف قولهم. ويقولون: إن الله كفيل بأرزاقنا, ولاتطمئن قلوبهم إلا بالدنيا, وجمع حطامها, وهذا أيضا خلاف قولهم. ويقولون: لابد لنا من الموت, وهم يعلمون أعمال من لايموت, وهذا أيضا خلاف قولهم.
إذا رأيت الألوف من البشر وقد أذهبوا أعمارهم في الفن واللهو واللعب والضياع فاحمد الله على ما عندك من خير, فرؤية المبتلى سرور للمعافى
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيـر طاب مسكنـه وإن بناها بِشَـرٍّ خاب بانيـها
فانظر لنفسك أيها القارئ وأيتها القارئة, بأي بدن تقف بين يدي الله تعالى؟ وبأي لسان تجيبه؟ وماذا تقول إذا سألك عن القليل والكثير؟ فأعد للسؤال جوابا, وللجواب صوابا: قال تعالى "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولايؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" وقال: "واتقوا الله إن الله خبير بما يعملون" أي من الخير والشر
إذا أغلقت بابك, وأظلمت الغرفة التي أنت فيها .. لا تقل أنك وحدك .. لأن الله هناك , ونفسك هناك .. ولا حاجة بهما إلى النور ليرينا ما نفعل بيدينا
قال أبو الليث رحمه الله: إن لله ملائكة في السماء السابعة سجدا منذ خلقهم الله تعالى إلى يوم القيامة, ترتعد فرائصهم من مخافة الله تعالى, وإذا كانوا يوم القيامة رفعوا رؤوسهم فقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك, وذلك قوله تعالى:"يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" يعنى لايعصون الله تعالى طرفة عين. وانظر إلى حالنا من الغفلة, هل نخاف الله مثلهم؟
"ومن يؤمن بالله يهد قلبه" يكشف كربه, ويغفر ذنبه, ويذهب غيظه وينير طريقه ويسدد خطاه.
لذا اجلس في السحر ومد يديك وأرسل عينيك وقل: جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل يا جليل.
يقول الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه طب القلوب:
إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى, بل خلقهم لأمر عظيم, وخطب جسيم, عرض على السماوات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه اشفاقا ووجلا, وقلن ربنا إن أمرتنا فسمعا وطاعة, وإن خيرتنا فعافيتك نريد, لانبغي بها بدلا, وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله, وباء به على ظلمة وجهله, فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله
فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة, لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم, ولا في المراد من ايجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار, ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية, وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية, فقد ملكهم باعث الحس, وغاب عنهم داعي العقل, وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة, والخدع الكاذبة, فخدعهم طول الأمل, وران على قلوبهم سوء العمل, فهممهم في لذات الدنيا, وشهوات النفوس كيف حصلت حصلوها ومن أي وجه لاحت أخذوها,. إذا بدا لهم حظ من الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون, نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئِك هم الفاسقون
والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه, وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه, فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى أين يحمل, ويسار به أعظم من سير البريد, ولا يدري إلى أي الدارين ينقل, فإذا نزل به الموت اشتد قلقه لخراب ذابه وذهاب لذاته. لا لما سبع من جناياته, وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته, فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو, وقال قد أنبئنا أنه الغفور الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابه هو العذاب الأليم. " "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" للإمام ابن القيم الجوزية
من أسباب الغفلة
حب الدنيا وطول الأمل
حب الدنيا هنا يقصد به أنك تعيش في الدنيا للدنيا ولا تعيشها لله, لا تستغل لحظاتها من عمرك لعبادة الله, بل تنشغل فيها بمالك بأهلك بزوجك بأولادك, وليس لله, هنا يقصد به حب الدنيا, ولكن إن عشتها تبتغي مرضات الله فتعبده, وتعمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, فإنك بذلك تفوز برضا الله. قال تعالى:"من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة" وقال:"أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة, فما متاع الحياة الدنيا من الآخرة إلا قليل" وقال:"من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه من كان يريد حرث الآخرة نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب".
(بعض ما كتبه الإمام أبوحامد الغزالي):
رفض الدنيا يكون بالرضا وهو طيب النفس بما يجري به المقدور, الرضا على ما قسمه الله لنا. وترك الدنيا يكون بترك التمني بلذاتها التي لم يقدر الله أن تكون لنا قال داود لسليمان عليهما السلام: يُستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل, وحسن الرضا فيما نال, وحسن الصبر على ما قد فات.
منتهى الإحسان رضا الله عن عبده, وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى. قال تعالى:"ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر" فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن. كما رفع ذكره فوق الصلاة, حيث قال:"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكرالله أكبر", فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة, فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة, بل هو مطلب سكان الجنان.
قال تعالى: "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان, وماالحياة الدنيا إلا متاع الغرور"
قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا">
قال عليه السلام:"أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل واتباع الهوى, وإن طول الأمل يُنسي الآخرة, واتباع الهوى يصد عن الحق"
قال تعالى:"قد أفلح من تزكى, وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى"
حذر النبي عليه السلام من مرض يصيب النفوس الضعيفة من البشر اسمه الوهن ومعناه حب الدنيا وكراهية الموت, وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها, قالوا: أوَ من قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ قال: "لا, بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ينزع الله مهابتكم من قلوب أعدائكم وتصابون بالوهن" قيل: وما الوهن يارسول الله, قال:"حب الدنيا وكراهية الموت"
لا تنس أيها الغافل فضل الله عليك حين أوجدك في هذه الدنيا من عدم, فأنعم عليك بنعمه, ثم إذا لقيته لا تشرك به شيئا ستعيش في جنات الخلد خالدا مخلد بإذن الله, وما أعظمها من نعمة حين تكتمل برؤية الله, خالقك, فكيف تغفل عنه؟
قال تعالى:"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ثم أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون"
* قيل لجعفر بن محمد: الرجل تكون له الحاجة يخاف فوتها, أيخفف الصلاة؟
قال: أولا يعلم أن حاجته إلى الذي يصلى إليه؟
|
|