تكملت للموضوع الاول
سبب الهموم والغموم, الإعراض عن الله والإقبال على الدنيا, فهذا الذي دخل السجن المؤبد فلا هو حي فيرجى ولا ميت فينعى. لا سعادة إلا إذا عشت حرا من كل سيطرة على جسمك وعقلك ووجدانك وخيالك
لتكون عبداً لله وحده
قال تعالى:"فإذا جاءت الصاخة, يوم يفر المرء من أخيه, وأمه وأبيه, وصاحبته وبنيه, لكل امرء يومئذ شأن يغنيه" وقال:"لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم, يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير"
ما أنت فاعل في قيامتك, أيها الغافل عن أمر الله, موتك هو قيامتك, حيث إذ ذاك ترى غيبيات الأمور, ترى الملائكة والموت, ترى مقعدك من الجنة أو النار , هناك, لن ينفعك المال أو الأهل أو البنون, هناك عملك الصالح فقط ينجيك من عذاب القبر وعذاب النار, فيؤنسك في وحدتك, ويسليك حيث لا أم ولا أخت ولا ولد
وقال ابن الجلاء رحمه الله: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: إني إذا اطلعتُ على سرّ عبدٍ, ولم أجد فيه حب الدنيا ملأته من حبي وتوليته بحفظي
يُروى: أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود, حذّر وأنذر أصحابك أكل الشهوات, فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة
وقال تعالى:"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد, ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد, وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد, لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد"
ألم تتفكر أيها الغافل بأمر الآخرة, أنك لم تكن شيئا. قبل مائة عام أين كنت, كنت نطفة من مني يمنى. فجعل الله لك عينين ولسانا وشفتين, أعطاك روحا وقلبا ودماغا تفكر به واقعك الآن لم خُلقت, قال تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ". ارجع إلى الله يا غافلاً عنه فإنه غفار, تفكر في رحمة الرحمن, غفر لبغي سقت كلبا وعفا عمن قتل مائة نفس وبسط يده للتائبين ودعا النصارى للتوبة. ومن علامات حب الدنيا تأخير التوبة فيحتال إبليس عليك بأن تتمهل في التوبة, لأن أمامك زمنا طويلا
ولكن,سترجع إليه ياغافل يوما يامن يعيش عمره لهوا ولعبا
أين آيات الله أين كتابه أين سنة رسولك محمدا
سَتُسأل عن كل ذلك يوما يوم لاينفع مالا أو أبا أو أما
فهل أنت مستعد ليوم السؤال, يوم الحساب, يوم تفر من أحبابك يوم الدين. أم أنك اتبعت خطوات الشيطان بغفلتك وتحسب أنك على خير وهدى, ونسيت أمر الجبار. تعبد الله كعادة لا تعرف ماهي
أنت عبد لما تشتهي, وعبد من تخاف, وعبد ما تطمع فيه, فمن ارتفع فوق الإشتهاء والخوف والطمع أصبح عبدا لله, والمؤمن الحر لا تستعبده الحاجة.
قالت رابعة العدوية يوما: من يدُلنا على حبيبنا؟ فقالت خادمة لها: حبيبنا معنا ولكن الدنيا قطعتنا عنه
وقال تعالى:"ومن يعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا, ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال قد جاءت آياتي فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" لا تكن كالذين قال الله تعالى عنهم:"ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقين" لا تنس الله في الدنيا بغفلتك, فينساك يوم الحساب, يوم العرض العظيم بين يديه حتى إذا زفرت جهنم لم يبق نبي ولا صديق إلا جثا على ركبتيه ساقطا ويقول: يارب لا أسألك إلا نفسي, فيومئذ هل تظن أنك ستنجو بغفلتك في الدنيا في ذلك اليوم ؟
احذر الغفلة أيها المؤمن, إنها والله من مكائد الشيطان, إن الشيطان يئس أن تعبد الأصنام في أرض العرب لكنه له مصائد أخرى, إنه يعميك عن الله, يعميك عن حقيقة وجودك هنا, يلهيك بما لديك من مال وأولاد ومعيشة حلوة فاتنة, المقصود هنا لا أن تهمل معيشتك أو تهمل مالك, او تترك أولادك, ما نعنيه هنا أن تلك النعمات شغلتك عن عبادة الله حق عبادته, فلا أنت تتصدق بأموالك, ولا تربي أولادك على طاعة الله, وعبادته, ولا تذكر الله في حياتك التي أنعمها الله عليك, فلاأنت تخشع في صلاتك, ولا تزيد نوافلك التي تقربك من الله. قاوم الشيطان واجعل الله في كل أمر هو مقصدك. ومن علامات حب الدنيا حب المعصية وإلفها وهي من الشيطان أيضا
السمنة غفلة, والبطنة تذهب الفطنة, وكثرة النوم إخفاق, وكثرة الضحك تميت القلب, والوسوسة عذاب
ارضِ عن الله في كل أمر من أمورك, عسى تأخيرك عن سفر خيرا وعسى حرمانك من زوجة بركة وعسى ردك عن وظيفة مصلحة, لأنه يعلم ولا تعلم..عسى أن يكون منعه لك سبحانه عطاء, وحجزك عن رغبتك لطف, وتأخيرك عن مرادك عناية, فإنه يبصر ولا تبصر, فلا تجعل الدنيا أكبر همك, ارض بما قسمة الله لك, تفوز بخير الدنيا والآخرة, رضا الله والجنة
ما بالنا نتعـامى عن مصائرنا فننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانت تخر له الأذقان إذعانا
صاحب بهم حادثات الدهر فانقلبوا مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العـز مفرشـها واستفرشوا حفرا غبرا وقيعانا
يا راكضا في ميادين الهوى فرحا رافـلا ثياب الغـي نشـوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب يكفيك ما قد مضى, قد كان ما كانَ
"سجدة لله تنجيك ياإنسان من ألف سجدة للعبد"
إن الإيمان يحررنا من الخوف والقلق والذل, فلماذا نكبل أنفسنا بقيود الوهم بأن هناك من يملك حياتنا وأرزاقنا؟
ذكرعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء بادية أنيابها مشوه خلقها لايراها أحد إلا كرهها, فتشرق على الخلائق فيقال لها: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفتها. فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها. وروى في خبر آخر أنه يؤمر بها فتلقى في النار فتقول: يارب أين أتباعي وأصحابي؟ فيلحقون بها, قال الفقيه رضي الله عنه: لايكون لها عذاب لأنها لاذنب لها ولكنها تلقى في النار لكي يراها أهلها فيرون هوانها, كما أن الأوثان جعلت في النار وهو قوله تعالى:"إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" ولا يكون للأوثان عقوبة ولكن لزيادة الحسرة على أهلها. وكذلك الدنيا جعلت في النار لزيادة العقوبة, والحسرة على أهلها. فينبغي للمؤمن أن يعمل للآخرة ولايشتغل بالدنيا إلا مقدار ما لابد له منها من غير أن يتعلق قلبه بها. قال تعالى:"فأما من طغى, وءاثر الحياة الدنيا, فإن الجحيم هي المأوى, وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى, فإن الجنة هي المأوى"
وكتب الغزالي أيضا:
قال عليه السلام:"من أصبح والدنيا أكبر همه, يلزم الله تعالى قلبه ثلاث خصال: هم لاينقطع عنه أبدا, وشغل لايتفرغ منه أبدا, وفقر لا يبلغ منتهاه أبدا"
عندما اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر, قال الرسول عليه السلام:"والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفوي لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي, ولا رفعت طرفي فظننت أني واضع حتى أقبض, ولا لقمت لقمة إلا ظننت إني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت" ثم قال:"يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى, والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين" قال عليه السلام:"من أحب الدنيا وسر بها ذهب خوف الآخرة من قلبه"
قال تعالى:"وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لايعلمون"
لم تُخلق السماوات والأرض أيها الغافل عن ذكر الله فقط لتفكر بما تريد عمله في المستقبل, لم تُخلق الدواب والشجر والنجوم فقط لتكتشف أنت أن دراستك في هذه المدرسة أو الكلية أو الجامعة لن تفيد حياتك العملية فتظل طيلة وقتك تفكر وتفكر وتختار فتهمل صلاتك وعبادتك, تهمل الله, لم تُخلق لتفكر بنفسك فقط أو بالأزواج, أو البنين, قال تعالى :"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" تفكر في خلقك, في وجودك كيف أتيت, والسبب من مجيئك, ومن أوجدك من عدم قال تعالى:"قتل الإنسان ما أكفره, من أي شيء خلقه, من نطفة خلقه فقدره, ثم السبيل يسره, ثم أماته فأقبره, ثم إذا شاء أنشره, كلا لما يقض ما أمره" عش حياتك في الدنيا, عشها لله, أد فرائضك كما أُمرت, اتبع شريعة الإسلام كما سنها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, تمتع بحياتك ولكن لا تخرج عن طاعة الله. ألا تريد أن تكون من الذين قال الله عنهم:"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا: يحبون الدنيا وينسون الآخرة, ويحبون المال وينسون الحساب, ويحبون الخلق وينسون الخالق, ويحبون الذنوب وينسون التوبة ويحبون القصور, وينسون المقبرة"
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم فليس لهم حتى النشور نشور
من ادعى ثلاثة ولم يتطهر من ثلاثة فهو مغرور: أولها:من ادعى حلاوة ذكر الله وهو يحب الدنيا. وثانيها: من ادعى محبة الإخلاص في العمل, ويحب تعظيم الناس له. وثالثها: من ادعى محبة خالقه من غير إسقاط نفسه.
ورُوِي أن سليمان بن داود عليهما السلام مرّ في موكبه, والطير تظله والجن والإنس عن يمينه وشماله, فمرّ بعابد من بني إسرائيل فقال: والله ياابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما. فسمع سليمان وقال: لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود, فإن ما أعطي ابن داود يذهب, والتسبيحة تبقى.
يتبع
|
|