لست معنيا بإصدار الأحكام كثيرا، لكني أعتقد أن القول بفشل ثورات الربيع العربي، قول متسرع وسابق لأوانه. 
أعتقد أنه ليس من العدل في شيء أن يحتاج الناس إلى 50 سنة أو أكثر أول أقل، ليصدروا حكمهم على فشل الدولة الوطنية، في الجزائر التي انتهت إلى أحداث أكتوبر 1988 الأليمة، وفي اليمن التي انتهت إلى تقطيع أوصال البلد بالجوع والإرهاب، وفي العراق إلى بلد عاشق للحروب مع جيرانه أو على طوائفه، وفي سوريا إلى تكريس نظام الحزب الواحد والقائد الأوحد، وفي تونس إلى دولة بوليسية، وفي ليبيا إلى دولة قبيلة، وفي مصر إلى دولة العشوائيات وأمن الدولة. 
وفي المقابل لم تستغرق المداولة على ثورات الربيع العربي سوى سنتين أو أقل، للحكم على فشل هذا الحراك الشعبي الجارف، والدليل على هذا الفشل ما يحدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا.
لا تبنى الدول والديمقراطية في مدة سنتين، وفي الواقع ”فشل الربيع العربي” حلم تسوق له أنظمة تعتقد أنها مازالت صالحة لبعض الوقت، فللمشهد وجه آخر، ما يحدث في تونس وفي مصر وفي اليمن وليبيا من صراع سياسي وتدافع عنيف أحيانا، هو المشهد الطبيعي للمراحل الانتقالية التي تتحرر فيها الآراء والتيارات وتتداخل فيها المواقف، وهو الحالة الثورية للفترة الأولى من كل انتقال وخروج من بيئة سياسية إلى بيئة أخرى، ومن وضع إلى وضع، ومن نظام إلى نظام، ومن ظروف إلى ظروف.
الربيع العربي هو الذي أتاح للشعب التونسي الذي كان يخاف السير بالقرب من مقر وزارة الداخلية، أن يحاسب وزير خارجيته على فاتورة ثلاث ليال دفعها من أموال الوزارة في فندق، والمقصود أن الشعب التونسي امتلك القدرة على مراقبة المال العام وإجبار الحكومة على التزام قدر كبير من الشفافية.
والربيع العربي هو الذي أتاح للشعب المصري الذي كان يخاف من ”ظل أمن دولة”، خلع ثلاثة رؤساء (مبارك وطنطاوي ومرسي) في ظرف سنتين، لأنهم أساؤوا التصرف وأداروا شؤونه بكيفية غير مقبولة، وهو الذي أتاح للمصريين إجبار المجلس العسكري على تسليم السلطة للمدنيين، والمقصود أن الشعب امتلك قدرته على حماية خياره وصوته.  والربيع العربي هو الذي نقل الليبيين، الذين كانت ترعبهم عائلة العقيد، من نظام القبيلة ووضعهم على طريق الدولة، وعرفهم على مسميات لم يعرفوها في حياتهم، كالانتخابات والبرلمان والوزارة، والمقصود أن الشعب أمسك ببداية الطريق إلى دولة.
ربما انتهت الثورة إلى مشهد مأساوي في سوريا لظروف تداخلت فيها اليد الخارجية يمينا وشمالا، لكن الربيع العربي هو الذي سمح لليمنيين الذين أغرقهم الرجل غير الصالح في ”القات”، ليستفيقوا من ”التخدير” وبأن يؤسسوا لديمقراطية فتية.
لم تبن إرادة الدولة الوطنية لا ديمقراطية ولا حريات، ولم تحقق ”الأمان من الخوف والإطعام من الجوع”، فلتجرب الشعوب إرادتها.