نعــــــم ... الآن فقـــط فهمــــت :
==============لقد كان العلاّمة الشيخ بن أبي القاسم والد الشيخ الحفناوي -عليهما سحائب الرحمة والرضوان - من مشاهير عصره ، ومن المتضلّعين في اللغة والأدب والفقه والتوحيد والنحو والصرف والحساب والمنطق وعلوم البلاغة والعروض ، وقد تخرّج على يديه المئات من طلبية الشرق والغرب أيّام كان يُدرِّسُ في زاوية سيدي علي بن عمر بطولقة -بسكرة ( كما ذكر ابنه في كتاب "تعريف الخلف برجال السلف") ، والثابت تاريخيّا أنّه تخلّى عن الأستاذيّة والحظوة والتقدير العظيمين الذين نالهما بتلك الزاوية ، ورجع إلى مسقط رأسه بالدّيس ، حيث حاول أن يؤسّس زاوية خاصّة به لكنّه فشل في المشروع ، وما لبث أن انزوى على نفسه وانشغل بأموره الخاصّة وبقي بين مُصلاّه وبستانه إلى أن توفّاه الله ، ومن بعدِه رحل ابنه الشيخ الحفناوي من الدّيس أوّلا ، ثمّ من المنطقة برمّتها ولم يَعُدْ إليها إلاّ عليلاً مُقْعَدًا وتوفّي بها كذلك.
وقد روى لي جدّي الحاج لخضر بن سليمان طاهري - رحمه الله - أنّ الشيخ الجليل محمّد بن عبد الرحمن الدّيسي - رضي الله عنه - قد سعى هو الآخر في تأسيس زاوية بالدّيس يُدرّسُ فيها العلم ويرفعُ بها من شأن قومه ، وبذل في سبيل ذلك جُهدًا معتبرًا - على ما ابتلاه الله به من الإعاقة - وقد كانت دار الحاج سليمان والد جدّي لخضر طاهري هي أوّل دارٍ قصدها في عام 1917م لجمع المساعدات والهبات العينية ، فأكرمه أجدادي أيّما إكرامٍ - فقد كانوا يُجِلّون العلماء وحملة القرآن - ورجع مِن عندٍهِم بأغنامٍ وزادٍ معتبر ... لكنّه سرعان ما أرسل رجلاً من طرفه يُعيدُ " أمانات النّاس " وضرب صفحًا عن فكرة تأسيس الزّاوية ، وعاد إلى زاوية الهامل ليُعطي زبدة علمه الغزير ونفائسه لروّادها ، وتوفيّ ودُفِن هناك.
التســــــاؤل
--------ما هي الأسباب والدّوافع الحقيقية التي دفعت بأولئك الأعلام الكبار للإنزواء أو الرّحيل ؟ ، ولماذا فشلوا في تأسيس صروحٍ علميّة في المنطقة؟
الأسباب تبقى مجهولة لدى البعض .. لكنّها بالمقابل معروفةٌ لدى الكثيرين ... والبعضُ منّا يكون قد فهم الأسباب واستنبطها بالمعايشة والتجربة المرّة .. وربّما استشفّ آخرون الأسباب في قراءةِ ما بين سطور أبيات الشيخ الدّيسي - رحمه الله - التي يقول فيها :
قد دَاسَنَا الدّيسُ بالهمّ الشديد فلا خـــــلاص من الهمّ لقاطن الديسِ
تزدحـــــم النائبات الدُّهْمُ عنـــه ولا يَنْفَكُّ من عاش ذا فقر وذا بـــوسِ
فإن دخــلتَ وكيس المال ممتلئٌ لا تخــــــرج منه إلا طَاوِيَ الكيـسِ
فارحــــــلْ وبادر فأرض الله واسعةُ ولا تَقُمْ أبدًا بمنزلٍ بِيــــــــــــــــسِ
فِيمَ الإقامة بالديـــس الجهيدِ بــلا نَيْلِ مُرَادٍ ولا خيلٍ ولا عِيــــــــــــــسِ... نعم يا سيّدي .. الآن فهمت ..
|
|