القناعة
يحكى أن ثلاثة رجال ساروا في طريق فعثرواعلى كنز، واتفقوا على تقسيمه بينهم بالتساوي، وقبل أن يقوموا بذلك أحسوابالجوع الشديد، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعامًا، وتواصوابالكتمان، حتى لا يطمع فيه غيرهم، وفي أثناء ذهاب الرجل لإحضار الطعامحدثته نفسه بالتخلص من صاحبيه، وينفرد هو بالكنز وحده، فاشترى سمًّا ووضعهفي الطعام، وفي الوقت نفسه، اتفق صاحباه على قتله عند عودته؛ ليقتسماالكنز فيما بينهما فقط، ولما عاد الرجل بالطعام المسموم قتله صاحباه، ثمجلسا يأكلان الطعام؛ فماتا من أثر السم.. وهكذا تكون نهاية الطامعينوعاقبة الطمع.
*أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- سلالا منعنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلةمن هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة-رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدةعائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟
*ذهب الصحابيالجليل حكيم بن حزام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه منالأموال، فأعطاه. ثم سأله مرة ثانية، فأعطاه. ثم سأله مرة ثالثة، فأعطاهالنبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مُعلِّمًا: (يا حكيم، إن هذا المالخَضِرٌ حلو (أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوةاللذيذة)، فمن أخذه بسخاوة نفس (بغير سؤال ولا طمع) بورك له فيه، ومن أخذهبإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا(التي تعطي) خير من اليد السفلي (التي تأخذ). [متفق عليه].
فعاهد حكيمالنبي صلى الله عليه وسلم ألا يأخذ شيئًا من أحد أبدًا حتى يفارق الدنيا.فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يطلبه ليعطيه نصيبه من المال، فيرفضأن يقبل منه شيئًا، وعندما تولى عمر -رضي الله عنه- الخلافة دعاه ليعطيهفرفض حكيم، فقال عمر: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليهحقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء (الغنيمة)، فيأبى أن يقبله.
وهكذاظلَّ حكيم قانعًا، لا يتطلع إلى المال بعد نصيحة رسول الله صلى الله عليهوسلم، التي تعلَّم منها ألا يسأل أحدًا شيئًا؛ حتى إنه كان يتنازل عن حقه،ويعيش من عمله وجهده.
*كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- واليا علىإحدى المدن، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعًا، وكان يشتريخوصًا بدرهم، فيصنع به آنية فيبيعها بثلاثة دراهم؛ فيتصدق بدرهم، ويشتريطعامًا لأهله بدرهم، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا.
ما هي القناعة؟
القناعةهي الرضا بما قسم الله، ولو كان قليلا، وهي عدم التطلع إلى ما في أيديالآخرين، وهي علامة على صدق الإيمان. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قدأفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
قناعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كانصلى الله عليه وسلم يرضى بما عنده، ولا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يتطلع إلىما عند غيره، فكان صلى الله عليه وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة
خديجة-رضي الله عنها- فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال، وكانتتُعْرَضُ عليه الأموال التي يغنمها المسلمون في المعارك، فلا يأخذ منهاشيئًا، بل كان يوزعها على أصحابه.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام علىالحصير، فرآه الصحابة وقد أثر الحصير في جنبه، فأرادوا أن يعدوا له فراشًالينًا يجلس عليه؛ فقال لهم: (ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلاكراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها).
[الترمذي وابن ماجه].
لا قناعة في فعل الخير:
المسلميقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بالدنيا، أما في عمل الخير والأعمالالصالحة فإنه يحرص دائمًا على المزيد من الخيرات، مصداقًا لقوله تعالى:{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]. وقوله تعالى: {وسارعوا إلىمغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
فضل القناعة:
الإنسان القانع يحبه الله ويحبه الناس، والقناعة تحقق للإنسان خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ومن فضائل القناعة:
القناعةسبب البركة: فهي كنز لا ينفد، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنهاأفضل الغنى، فقال: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس)[متفق عليه].
وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا فيسربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) [الترمذيوابن ماجه]. فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله له يكونغنيا عن الناس، عزيزًا بينهم، لا يذل لأحد منهم.
أما طمع المرء، ورغبتهفي الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس، فاقدًا لعزته، قال الله صلى الله عليهوسلم: (وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)
[الترمذي وأحمد].
والإنسانالطماع لا يشبع أبدًا، ويلح في سؤال الناس، ولا يشعر ببركة في الرزق، قالالله صلى الله عليه وسلم: (لا تُلْحِفُوا (تلحوا) في المسألة، فوالله لايسألني أحد منكم شيئًا فتُخْرِجُ له مسألتُه مِنِّي شيئًا، وأنا له كاره،فيبارَكُ له فيما أعطيتُه) [مسلم والنسائي وأحمد].
وقال الله صلى اللهعليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقةعن ظهر غنى، ومن يستعففْ يعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يغْنِهِ الله) [متفقعليه].
القناعة طريق الجنة: بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلمالقانع الذي لا يسأل الناس ثوابُه الجنة، فقال: (من يكفل لي أن لا يسألالناس شيئًا وأتكفل له بالجنة؟)، فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًاشيئًا. [أبو داود والترمذي وأحمد].
القناعة عزة للنفس: القناعة تجعلصاحبها حرًّا؛ فلا يتسلط عليه الآخرون، أما الطمع فيجعل صاحبه عبدًاللآخرين. وقد قال الإمام علي-رضي الله عنه-: الطمع رق مؤبد (عبودية دائمة).
وقالأحد الحكماء: من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته؛ فلا يسكن قلبَه الطمعُ.وقيل: عز من قنع، وذل من طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة،وعبد طمع.
القناعة سبيل للراحة النفسية: المسلم القانع يعيش في راحةوأمن واطمئنان دائم، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا، ولا يستقر على حال.وفي الحديث القدسي: (يابن آدم تفرغْ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى، وأَسُدَّفقرك. وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغْلا، ولم أسُدَّ فقرك) [ابن ماجه].
وقال أحد الحكماء: سرور الدنيا أن تقنع بما رُزِقْتَ، وغمها أن تغتم لما لم ترزق، وصدق القائل:
هـي القنـاعة لا تـرضى بهــا بـدلا
فيهــا النعيـم وفيهــا راحـة البـدنِ
انظـر لمـن ملــك الدنيـا بأجمـعـها
هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـنِ
منقول من موسوعة الاسرة المسلمة
|
|