مقاطع من رسالة إخوانية بقلم العلاّمة الحاج بن السنوسي بن عبد الرحمن الدّيسي إلى صديقه الحاج بلقاسم بن دحمان فضيلي
شكر خاصّ: لفضيلة الحاج المدني بن عبد الرحمن ، والأستاذ مالك طيبي
نقل وتعليق : الأستاذ إبراهيم طاهري
توطـــــئــــــــة :
الرسائل الإخوانية هي ضربٌ من المراسلات الشائعة بين علمائنا ومشايخنا إلى وقت قريب ، وهي كتابات عادةً ما تكون بأسلوب أدبيّ راقٍ ، وتتناول في جلّها العلاقات الإنسانيّة بين الأفراد ، وتكون مشحونة بالمعاني والعواطف المختلفة ، كما أنّها لا تخلو في الغالب من الطرفة والتصوير والإيقاع الموسيقيّ.
من بين تلك الرسائل نعرض أجزاء من رسالة إخوانية مؤرّخة في جانفي 1953م للعلاّمة الحاج بن السنوسي بن عبد الرحمن –عليه سحائب الرحمة والرضوان – أرسلها إلى صديقه الحاج بلقاسم بن دحمان فضيلي –رحمه الله – الذي كان مجاورًا بالمدينة المنوّرة آنذاك رفقة أخيه المرحوم الحاج نعمان فضيلي (دفين البقيع الطاهر) ، وهي رسالة تدلّ دلالة واضحة على اهتمام كبار العرش والجماعة آنذاك بصغير أمور البلدة وكبيرها ، فنجد الحاج بن السنوسي يفصّل الأحوال والأخبار الجديدة والهامّة تفصيلا لصديقه ، فيذكر الأحوال الإقتصادية للبلدة وضواحيها من غلاء الأسعار والموادّ المتوفّرة من الخضر والفواكه واللحوم … الخ ، محدِّدًا أسعارها بالفرنك الفرنسي (المُتَعَامَل به) ، كما يشير إلى ما نزل بالبلاد والعباد من قحط وبرد قارس ، ويعرّج من خلال رسالته على أحوال أهل البلدة ممّن توفّي من الأكابر ، أو ممّن تزوّج من الشباب ، أو ممّن كان مريضا ثمّ عُوفِي … الخ.
وهذه الرسالة تعطينا فكرة عن جزء هامّ من شخصيّة الحاج بن السنوسي عدا شخصيّة العالم الفقيه الذي لا يكاد يجد وقتًا شاغرا في يومه المليء بالدراسة والتدريس والمباحثات ، فهو الذي كان يقيم الأيّام الطّوال ببوسعادة مكرّسًا وقته ونفسه للغرض المذكور ، ولا يزور الدّيس إلاّ قليلا … هذه الرسالة تعكس لنا شخصيّة الحاج بن السنوسي المنتمي إلى قريته وعرشه ومنشئه وجماعته ، الحريص على تتبّع أحوال جماعته ومساراتها اليومية المختلفة بأدقّ تفاصيلها رغم بعده عنها غالبية الوقت ، وهو ما يظهر جليّا في كثير من مراسلاته لبني بلدته من الفضلاء .. تلك المراسلات التي تشبه إلى حدّ مّا المذكّرات أو اليوميات..
ولعلّ من أهمّ ما ورد ذكرهُ في هذه الرسالة حسب وجهة نظري :
1- إشارة العلاّمة الحاج بن السنوسي إلى انقطاع الجماعة عن الإجتماع كعادتها في جبل (الخلوة) أو جبل (سالاّت) ، أين كانت تُعقَدُ حلق الذكر والقرآن والفقه والأدب والسياحة والتدبّر ، وذكره السبب في ذلك وهو : انتقال معظم روّاد تلك المجالس - من حملة القرآن وأهل الحكمة والعلم والأدب – إلى رحمة الله تعالى وعفوه … أقول : فهذه الإشارة من العلاّمة دليلٌ يُضَافُ إلى أدلّة أخرى أنّ الإجتماع في سالاّت أو في الخلوة للسّادة الأوائل كان لغرض الذكر والمذاكرة والتدبّر مع قليل الترفيه المباح .. على عكس ما هو حاصلٌ اليوم تمامًا.
2- إشارته إلى انطلاق دروس الفقه على يد الفقيه المالكيّ المشهود له بالتضلّع سي بوزيد صدّيقي –رحمه الله- في المسجد العتيق بالدّيس ، وحضور الطلبة والجماعة لهذه الدّروس بغية التعلّم والإستفادة ، وهو دليل على استمرار صور النشاط العلمي الحثيث الذي كانت تزخر به البلدة ، ومن جهة أخرى فهو يشي باهتمام الحاج بن السنوسي نفسه وتنويهه بهذا النشاط.
3- ذكره لارتحال المرحوم سي محمّد الشلالي بن دحمان فضيلي (وهو أخ الحاج بلقاسم) إلى الزاوية الداوودية بآقبو من بلاد القبائل الصغرى ، نزولا عند وصيّة شيخ الزاوية بغرض نسخ بعض قصائد شاعر الحضرة النبويّة الشريفة سيدي محمّد الشلالي الدّيسي ، وهو ما يدلّ على عدّة أمور منها : متانة العلاقة الروحية التي كانت تربط الزاوية الداوودية بزاوية الدّيس ، ومنها اهتمام مشايخ تلك الزاوية وعنايتهم بتدوين قصائد سيدي الشلالي في مدح النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم – وهي القصائد التي تجاوز تأثيرها بلدة قائلها إلى مختلف زوايا الوطن ثمّ تخطّفها المحبّون والمادحون في مختلف أصقاع العالم الإسلامي.
كما أنّ الرسالة لا تخلو من عاطفة الحبّ الشديد من شيخنا الحاج بن السنوسي إلى شخص النبيّ –عليه الصلاة والسلام – فهو يطلب في رسالته من صديقه الحاج بلقاسم أن يبلّغ سلامه الشخصيّ إلى الرسول –صلى الله عليه وسلّم – وإلى صاحبيه أبي بكر وعمر –عليهما الرضوان – ويغبط مجاورة صديقه ومن معه للقبر الشريف .. وفي الرسالة أيضا نكتة لغويّة ، وهي عبارة عن تأصيل لكلمة (بَـسْ) الشائعة عند المشارقة ...
القصاصة (1) :
الحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
يوم 25 ربيع الثاني 1372هـ الموافق يوم 11 جانفي 1953م
الأجلّ الفاضل الأخ السيّد الحاج بلقاسم بن دحمان والشيخ السيّد النعمان والأولاد : السيّد محمّد والسيّد إبراهيم (أولاد الحاج نعمان) وكافة العائلة والمحبّين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته والحمد لله على عافيتكم ، أسأل الله لكم دوام الصحّة والعافية وأن يمتّعكم مجاورة سيّدنا محمّد –صلى الله عليه وسلّم – وبعد :
فقد بلغني جوابك المؤرّخ 17 في الجاري ( 17 ربيع الثاني الموافق لـ 3 جانفي) ، وقد بقي في الطريق ستّة أيام ، وأخبرتنا أنّكم في خير وعافية وكلّ شيء متيسّر فالحمد لله ، وذلك ببركة المدينة المنوّرة ومن فيها.
القصاصة (2) :
.. وأولادك وجميع العائلة بخير ، وكذلك جماعة الدّيس بلّغناهم جوابك الذي مع جوابي وسي الحفصي بن سليمان (وهو جدّ سي البشير بن الخرشي سليماني –أطال الله في عمره -) توفّي –رحمه الله – يوم 1 جانفي ، وهو والشيخ رحمون (ابن أحمد زبيري ، وهو والد الحاج محمّد وسي بن السنوسي –أطال الله عمرهما-) كانت فيهما عمارةٌ للمسجد من جهة الأذان وملازمة الصلاة مع الجماعة –رحمهما الله - ، وسي بوزيد بدأ في قراءة الفقه يحضرُ بعضٌ من الطلبة والجماعة يستمعون ...
القصاصة (3) :
.. وأمّا جماعتنا فلهم مدّةٌ طويلة لم يقع لهم اجتماعٌ لا في الخلوة لا في سالاّت ، لأنّ أكثر الرفقة صاروا إلى عفو الله ، آخرهم سي محمّد بن قويدر (والد المرحوم الطالب سي أحمد إبراهيمي) والشيخ رحمون والحفصي رحم الله الجميع ..
القصاصة (4) :
.. وعليك لنا بصالح الدعاء في المواجهة الشريفة ، وبلّغ منا السلام إلى حضرة سيّدنا محمّد ، قل له فلانٌ يبلّغك ويبلّغ ضجيعيك السلام التمام ...
القصاصة (5) :
.. ولفظ "بَـسْ" حرفان : حرفٌ في أوّل القرآن وهو باءُ بسم الله الرحمن الرحيم ، وآخرهُ السين من الجنّة والنّاس ، هكذا ذكره من تكلّم على بسم الله الرحمن الرحيم وهي كلمة مباركة ...
القصاصة (6) :
.. أخوك السيّد محمّد بن الشلالي ذهب في هذه الأيّام إلى دار الشيخ بوداود لأنّ سي محمّد الطيّب كان أوصاه بنسخ بعض قصائد سيدي الشلالي ، وأخبر أنّهم بخير والمطر عندهم كثير ، وبدأ السيد السعيد في الدّرس ..
القصاصة (7) :
.. هذا ما حضرني وتفكرته من الأخبار ، ودمتم في أمان الله وحفظه والسلام من كاتبه بن السنوسي بن عبد الرحمن.
ملاحظة : تجدر الإشارة أننا نشرنا ما يصلح للنشر وحجبنا ما دون ذلك اجتهادا...