مع كل دخول اجتماعي والالتحاق بمناصب العمل تجد المرأة نفسها تعيش بضغوطات كبيرة تجاه أطفالها سواء في مرحلة التمدرس أم حديثي الولادة بعد انقضاء عطلة الأمومة مباشرة وتتحول حياتها إلى كوابيس.
من يعتني بالأطفال خلال فترة العمل خاصة إذا كانت المرأة العاملة تعمل بعيدا عن مقر سكناها بمسافة كيلومترات ولا تسمح لها ظروف عملها بالعودة عند منتصف النهار لاستقبال أطفالها من المدرسة، هذا أكبر الهموم التي تتقاسمها كل النساء العاملات من أبسط موظفة إلى أكبر مسؤولة سواء في الإدارة الجزائرية أو في القطاع الخاص، فالأطفال اليوم هم مسؤولية الأم لوحدها تتحملها وتبحث عن حلول مسبقة وبسرعة بشرط أن تناسب عملها حتى على حساب رعاية أطفالها، فكل صباح بات منظر الأمهات العاملات في ساعات مبكرة من النهار مألوفا تجر أطفالا صغارا يتعثرون تارة لعدم قدرتهم عن المشي، ويبكون من شدة التعب وقلة النوم وسيدات تحملن بين ذراعيها رضعا لا تتجاوز أعمارهم الأربعة أشهر ملففون في رداء أو بطانية البعض يسلم للجيران والبعض ينقل في سيارات نحو دور الحضانة والبعض عند مربيات الأطفال في المنازل ،والبعض عن الأهل ونرى ملامح الأم وهي تتألم كل يوم متعبة جسديا ونفسيا ومتأثرة بفراق أطفالها ليوم كامل، فالنساء في هذه الحالات يلتحقن بمناصب عملهم في حالة سيئة ومردودية العمل حسب ما أكدها لنا مسؤولون في بعض الإدارات أنها تقارب الصفر ووصف لنا أحدهم أن عمل المرأة المتزوجة والأم في بعض المصالح بات أمرا يشبه إلى حد كبير "الشبكة الاجتماعية" حيث تسجل النساء تأخرا عن العمل وغيابا في وقت المساء، فدور الحضانة التي تنتشر بعدد كبير في الجزائر سواء المصرح بها قانونيا أم الناشطة في "السوق السوداء" لا تحل مشكل رعاية الأطفال بشكل مريح للمرأة العاملة بسبب البعد أو ارتفاع الاسعار وبعض المراكز لا تقبل أطفال رضعا تقل أعمارهم عن 18 شهر، كذلك أغلب المراكز تتخذ من شهري جويلية وأوت عطلة وتغلق أبوابها في وجه الأطفال ما يجعل المرأة العاملة تبحث عن مراكز تعمل بصورة دائمة مقابل مال أكثر، وأحيانا تنفق ثلاثة أرباع راتبها فقط بين دور الحضانة والمربيات والمدارس الخاصة بالنسبة للأطفال المتمدرسين فبعد مرحلة الحضانة يأتي الدخول المدرسي وهو السن الحرجة التي تؤرق المرأة العاملة ،وينته بها الأمر بالتفكير في المدارس الخاصة التي بقدر ما هي "برستيج" لأصحاب المستويات الاجتماعية الراقية بقدر ما تحولت الى أمر لابد منه بالنسبة للمرأة العاملة، حتى لا تترك أطفالها عند الجيران أو ينتظرونها أمام سلالم العمارة وهي حالات تحدث فعلا اليوم حيث نجد أطفالا صغارا يعودون من المدارس ويقضون الفترة الممتدة بين الصبيحة والمساء أمام باب العمارة أو يطرقون جرس الجيران أو ينتظرون قرب فناء المدرسة لمدة تزيد عن ساعتين من الزمن، وعندما يبلغون السنة الرابعة من التعليم الابتدائي تقوم الأم بمنح طفلها أو طفلتها نسخة من مفاتيح الشقة وباب العمارة للدخول والتصرف بأنفسهم في تحضير وجبة الغداء وهو ما تقوم به كل العاملات تقريبا واللاتي لا يسمح راتبهن بتسجيل أطفالهم في المدرس الخاصة.
ومن العاملات من تقوم بتسجيل أطفالها في مدارس تقرب مركز عملها حتى وإن كلفها ذلك تنقل أطفالها يوميا مسافات طويلة تصل 100 كلم أو نقلهم من يوميا من ولاية لأخرى.
هموم المرأة الجزائرية العاملة في هذه النقطة بالذات المتعلقة بمصير أطفالها خلال فترة الشغل كان انشغالا رئيسيا في اكبر التقارير التي أعدت قبل سنتين فقط من طرف برنامج موله الاتحاد الاوروبي الخاص بالمرأة العاملة الجزائرية ودورها في الاقتصاد الوطني، التقرير مكون من حوالي من 60 صفحة حول تحليل الوضع الوطني للحقوق الإنسانية للمرأة والمساواة على أساس النوع الاجتماعي في الجزائر لتعزيز المساواة بين المرأة والرجل في المنطقة الاورو متوسطية وركزت على وجود عراقيل كبيرة في حضانة الأطفال خلال فترة عمل الام ودعت إلى حلول مفادها تشجيع إنشاء حضانات خاصة في المجال المهني، يذكر أن فكرة الحضانة في المجال المهني مقتصرة حاليا على مؤسسة الجيش الذي يخصص دور حضانة على أعلي مستويات الرعاية لأطفال المنتسبين إلى الجيش الوطني الشعبي بكل تخصصاته.
من جهة أخرى دعت إطارات في وزارة التضامن والأسرة بعض الإعلاميات إلى شن حملة إعلامية مع السياسيين والنواب لتشريع قوانين جديدة تمنح الحق للمرأة العاملة في عطلة أمومة أطول وبامتيازات أكثر من المنصوص عليها في قانون 90 -11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 ، علما أن المادة 55 من قانون العمل تمنح المراة العاملة إجازة لمدة 14 سابعا مدفوعة الاجر وهي فترة غير كافية بالنسبة للأم وللطفل.
المصدر
|
|