... كنّا ونحن أطفال صغار نتنقّل من القرية إلى المدرسة البعيدة سيرًا على الأقدام ، نقطع عدّة كيلومترات يوميا ، نعاني قسوة البرد والعواصف في الشتاء وتلفحنا شمس الصيف وحرارته .. حتى كان الأهل ينتظروننا بالماء على مشارف القرية جرّاء ما يصيبنا من عطش وإجهاد ...

.. ومن بين ما أذكره في تلك المرحلة ، وربّما كنت ابن سبع سنين وقتها أو أكثر قليلا أنّني ذات مساء خرجت مع بني عمومتي من المدرسة متوجّهين إلى البيوت ، وفي الطريق لمحنا أوراقا كثيرة وكبيرة بها صور وعناوين تبعثرها الرّياح العاتية ( كانت عبارة عن أوراق متفرّقة لجرائد رماها صاحبها .. ولم نكن نعرف في ذلك الوقت الجريدة ولا رأيناها بعين ) ومن شدّة الشّغف بالقراءة راح الجميع يتسابق في التقاط تلك الأوراق " الغريبة " التي كان بعضها يغطّي جسم بعضنا بكامله ! ... وراح الجميع يطارد تلك الأوراق إلى مسافات بعيدة جدّا .. ربّما وصلت إلى كيلومترين أو ثلاثة أو أكثر ، ليس لشيء سوى ليفوز واحد منّا بأكثر عدد من الصفحات التي سيقرؤها ... لا أذكر إن كنتُ فائزا أو خاسرا آنذاك ، لكنّني لا أزال أذكر مدى سعادتنا وحرص كلّ واحد منّا على ما جلبه من " كنوز" ، لا أنسى أبدا  تلك المتعة العظمى التي كنّا نشعر بها وكلّ منّا يقرأ - بلا فهم - من " غنيمته " ما وجده من نصوص على ضوء الشمعة الخافت... 

شكرا لك

هههه فعلا ذكرايات رائعة