السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعدما جنّبت عشرات آلاف مرضى السكري بتر أرجلهم، وأعادت لهم البسمة بتقنية أبدعت فيها واعترف بها الأجانب، في ظل تجاهل السلطات ووجود العراقيل. ها هي الطبيبة نادية بوجناح، تواصل إبداعاتها وانجازاتها، وتصرّ هذه المرة على إنقاذ آلاف المرضى المصابين بداء إنتشر كالنار في الهشيم وعجز أطباء العالم عن علاجه، إنه داء الفيل أو مرض "الفلاريا"، فأصبحت بحق امرأة ننحني أمامها احتراما وتبجيلا.
لا يُنكر انجازات الطبيبة الجزائرية نادية بوجناح إلا جاحدٌ، فزيارة إلى عيادتها الطبية ببلدية بوزريعة، تجعلك تقف مذهولا أمام صُور مصابين بتعفن السكري، كان يفصلهم شبرٌ عن بتر أرجلهم، لكن الطبيبة تمكَّنت من علاجهم، بتقنية حقن غاز الكاربون.
وها هي تواصل تحدّيها، مُوجهة اهتمامها نحو مرضى داء الفيل، هذا المرض الذي يُحوِّل حياة صاحبه إلى جحيم، ويجعل أطرافه السفلية تتورَّم لتصبح مثل أطراف الفيل، خاصة وأن المرض لا علاج له، وكثير من حامليه تأزمت حالتهم بعدما عبثت بهم مشارط الجراحين، وجعلت التورّم يصل حتى الأطراف العلوية من أجسادهم. الأمر الذي جعل الطبيبة تبحث في أسباب المرض وتوصّلت إلى طريقة جديدة لعلاجهم.
قصدنا عيادتها ببوزريعة بأعالي العاصمة، لكشف سرّ تكريس كامل حياتها للإكتشافات الطبية، ورفضها تكوين أسرة قد تعيقها عن أبحاثها، فوجدناها غير مهتمّة بالحديث عن نفسها، بقدر ماتريد لفت الانتباه إلى معاناة مرضى السكري بالجزائر، فتحدثت عن غياب التكفل الفعال بمصابي التعفن السكري، مُستغربة أن يكون البترُ أول الحلول التي يقترحها الأطباء على مرضاهم، رغم أنه يُعتبر العلاج الأخير، وسردت لنا قصة امرأة في الأربعين من عمرها مصابة بالسكري تعيش مع والدها المسن، حيث أُدخلت المستشفى بعد تعفن في رجلها، وتلاعب بها الأطباء 4 أشهر كاملة "كل يوم يطلبون منها تحضير نفسها لبتر رجْلها، وعندما قصدت عيادتي عالجتها دون بتر".
وتأسفت محدثتنا لغياب مراكز متخصصة، وتطرقت إلى مشكل استثناء بعض الأدوية باهظة الثمن من التعويض، ومنها دواء "بلافيكس" وهو نوع من الأسبيرين، ومضادات حيوية مهمة، خاصة التي يحتاجها المرضى ممّن خضعوا لتقنية العلاج بالكاربون، وتضيف "حتى الكراسي المُتحرِّكة، يُحرمون من تعويض ثمنها بحجة أنها مخصصة للمعاقين فقط، رغم أن المرضى الذين خضعوا للعلاج بتقنيتي، يبقون لأشهر على كراس متحركة".
الدكتورة بوجناح وجدت نفسها وحيدة تحاول إنقاذ مرضى، معظمهم من فقراء الجزائر لا يملكون حتى بطاقة شفاء، 5 آلاف منهم بين نساء ورجال مهددون ببتر أطرافهم. "المرضى الذين يقصدونني لفظتهم المستشفيات العمومية وتخلى عنهم صندوقُ الضمان الأجتماعي".
والتقنية التي تستعملها الطبيبة لعلاج المصابين، تجعل المريض يخضع لفترة نقاهة، قد تصل إلى 4 أشهر، والمؤسف حسبها أن صندوق الضمان الاجتماعي لا يعوض هذه العطلة المرضية، لأن تقنيتها غير معترف بها. ما جعل كثيرا من الموظفين مهددون بالطرد من مناصبهم. وهو حال ممرض عالج بعيادة الطبيبة، غاب عن عمله منذ نوفمبر 2013، ليُصدم بقرار عدم تعويض عطلته المرضية وتهديده بالطرد من العمل رغم أنه رب أسرة.
وتتحسر محدثتنا للتجاهل الذي لقيته من وزارة الصحة، ومنع إدراج تقنيتها في المستشفيات العمومية، رغم أنها كوّنت 800 طبيب، وثبَت نجاحُ تقنيتها بنسبة 90 بالمئة. لتقرِّر أخيرا عدم إهدار وقتها في الجري بين مكاتب المسؤولين، مفضلة قضاء وقتها الثمين مع مرضاها، ولمن حكم على تقنيتها بالفشل تقول له "ماذا اخترعتم أنتم؟".
ووجّهت الطبيبة بوجناح مؤخراً اهتمامها نحو فئة المصابين بداء الفيل أو "الفلاريا"، وإيجاد علاج لهم ونجحت في ذلك، وأظهرت لنا صوراً لا يستطيع من يراها حبس دموعه، لمصابين بداء الفيل، يعانون من تشوّهات وانتفاخات خطيرة غالبيتهم شباب. والمؤسف آن المرض منتشر بالجزائر ويعاني أصحابُه في صمت في ظل غياب التكفل والعلاج. و"الفلاريا" ديدان خيطية تهاجم الأنسجة تحت الجلد والأوعية الليمفاوية للمصاب، متسببة في التهابات وتقرُّحات مُزمنة للأطراف السفلية للنساء والرجال.
وكشفت لنا بوجناح أن معظم الأموال التي تتحصل عليها من اجرائها عمليات تجميلية غير جراحية، توجِّهها لمساعدة مرضى قدم السكري الفقراء، وختمت لقاءها معنا بالقول "لم أجد الا الجمعيات والمحسنين الذين تبرَّعوا لعلاج كثير من مرضاي، خاصة ممّن يحتاجون تحاليل طبية عديدة وأدوية، وحتى رجال الدرك خاصة فرقة "لافونتان" ببوزريعة مدوا يد المساعدة، ومؤخرا بعض الأطباء العموميين صاروا يهتمون بتقنيتي في العلاج.. سأواصل أبحاثي رغم العراقيل، تنفيذا لوعد قطعته لشقيقي الذي غيّبه عني مرض السكري، وانقاذا لآلاف المرضى الجزائريين".
وهي تضع ايمايلها الشخصي تحت تصرف المرضى
drboudjenah@yahoo.fr المصدر
http://jawahir.echoroukonline.com/articles/170.html