صـــندوق الأســــرار ... صنــدوق جـــدّتي : ... من بين ما أذكره في طفولتي : صندوق عتيق يحتلّ زاوية في غرفة المخزن التي لا يدخلها سوى جدّتي -يرحمها الله- ، فقد كانت غرفة مظلمة تفوح منها روائح عطريّة متميّزة جدّا لا تزال رائحتها تعطّر مخيّلتي ، وكانت تكتسي خصوصيّة مميّزة ، ولم يكن مفتاحها يفارق " حزام " جدّتي ، وكنت أتوق وأنا طفل لأعرف ما تخبّئه جدّتي في هذا الصّندوق وتحرص على أن لا يراه أحد أو يلمسه أحد من أهل الدّار ، وبعد طول صبر تمكّنت مرّة وفي غياب جدّتي من فتح جزء من غطاء الصندوق المقفول بإحكام ، لأجده معبّأ بما لذّ وطاب من الفواكه المجفّفة والتمر و"الغرس" ، والعسل والسّمن المعالج بالحشائش الجبلية ومختلف البهارات واللوازم ....وظللتُ أتساءل في ذلك الوقت : لماذا تحرص جدّتي على هذا الصّندوق ؟ ولماذا تحرم العائلة من محتوياته الشهيّة ؟.
لم أعرف الجواب إلاّ بعد سنوات أخرى ، حين أطلعتني الوالدة على اسم ذلك الصندوق - الذي كانت كلّ العوائل تملك مثله - وهو ( صندوق الضّيف ) ، وعرفت أنّ آباءنا وأجدادنا أطلقوا عليه هذا الإسم لأنّهم كانوا يضعون فيه زاد ثلاثة أيام كاملة وهي مدّة الضيافة لمن ينزل بالبيت ضيفا أو عابر سبيل ، وقد كان أسلافنا يحرصون على هذا العرف حرصا شديدا .. حتّى عدّوا خلوّ البيت من صندوق كذلك الصندوق عيبا كبيرا ونقيصة مخزية في حقّ أصحاب البيت ...
حدّثوني بربّكم : هل من صناديق مثل هذه في بيوتنا اليوم ؟؟؟
|
|