يروي أجدادنا حكايةً فيمن يكثر أصحابُهُ ويبقى في النّهاية بلا صاحب :
يُحكى أنّ رجلاً حكيمًا كان له ابنٌ كثير الأصدقاء ، وكان هؤلاء لا يفارقونه ليلاً ونهارًا فيأكلون مِن طعامه ويجلِسون الساعات الطِّوال في بيته يتحادثون ويتسامرون ، فقال الوالد لابنه ذات مرّة : " يا ولدي إنّ كثرة الأصحاب ستتركك بلا صاحب يومًا مّا " ، فامتعض الولد ولم يتقبّل كلام والده وأخبره بأنّ هؤلاء أصدقاؤه المقرّبون وأنّه يستحيل أن يفرّطوا فيه ، فسكت الوالد ولم يناقش ابنه.
وبعد أيّامٍ عَمَدَ الرّجل الحكيم إلى شاةٍ عندهُ فذبحها ولفّها في قطعة بيضاء من القماش ، واستدعى ولده وقال له : " يا بنيّ إنّي قد ارتكبتُ جُرمًا وقتلتُ نفسًا ، وأنتَ تعلم أنّني رجلٌ ضعيف ، فادْعُ لي أصدقاءك كي يحملوا معي الجثّة ويدفنوها في مكان بعيدِ عن الأنظار ، فراح الولد يدور على أصدقائه ويخبرُ كلّ واحدٍ منهم بالقصّة ، وكان كلّما أخبر واحدًا هَلَعَ وارتعب ورفض أن يصاحبه إلى بيت والده ، وفي آخر اليوم رجع الولد خالي الوِفاض ، فقال له الوالد :" اذهب إلى مكان (كـذا) فإنّ لي فيه صديقًا يُدعى (فــلان) وأخبره بالأمر ، فذهب الولد إلى صديق والده وأخبره بالقصّة فقال له الرّجل : " سآتي معك الآن " وحمل معه سكّينًا ، ولمّا وصل الإثنان غرز الرّجل سكّينه في الجثّة وقال للرّجل الحكيم : " الآن قتلناه معًا وسندفنه معًا يا صديقي " ، وعندئذٍ كشف الرّجل الحكيم الغطاء عن جثّة الشّاة وقال لولده : " ألم أقل لك أنّ كثرة الأصحاب تتركك بلا صاحب ، أمّا أنا فإنّ لي في حياتي كلّها صديقٌ واحدٌ هو هذا الرّجل الذي جاء معك ، ورغم أنّ الأمر تعلّق بالقتل فإنّه لم يخذلني ، أمّا أنت فلم يُسعِفكَ واحدٌ من هؤلاء جميعًا - على كثرتهم - في أوّل ضائقةٍ أصابتك.
|
|