عندما زارت كلينتون الجزائر في جانفي الماضي، لم تقل لنا الحكومة إن كلينتون طلبت من السلطات الجزائرية أن تسهل عمل شركة جنرال إليكتريك، لكن التقرير الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية المنشور على الموقع الرسمي للوزارة، ذكر أن كلينتون بحثت مع المسؤولين الجزائريين تسهيل عمل شركة جنرال إليكتريك. وفي السياسة يعني ذلك طلب تسهيل فوز الشركة الأمريكية بالصفقات، والقفز على القانون وعلى دفتر الشروط والأحكام المنظمة للصفقات، نظير موقف سياسي أمريكي، وهذه هي بداية الفساد.
ما أعرفه أن كل الصفقات (بما فيها تلك التي توجد اليوم محل شبهة الفساد في سوناطراك أو سونلغاز وغيرهما) مرت على مجلس الوزراء، وتمت المصادقة عليها، ونشرت في الجريدة الرسمية، وهذا يعني أن هناك مسؤولية سياسية يجب أن يتحمّلها الرئيس بوتفليقة وأعضاء مجلس الوزراء أيضا، مثلما هناك مسؤولية للهيئات المخول لها الرقابة القبلية أو البعدية للصفقات العمومية.
ليس هناك أكثر إحباطا للشعب من أن يشعر أنه مخدوع في ثرواته، ومسروق في خبزه، وليس هناك مدعاة لليأس، أكثر من أن يرى الشعب أيا من وزرائه في صفة “لصوص وحرامية”، وليس أكثر قتلا للأمل من رؤية وزير يمتعه منصبه بالسكن ومجانية الكهرباء والماء في نادي الصنوبر والحرس والسيارة الفارهة والطريق المفتوح، وبالسفريات إلى الخارج، متهم بالطمع في “بقشيش” صفقة وعمولة مشروع.
أخطر ما في القصة، أن أزمة الثقة تزداد في بلد يقف على وضع هش اقتصاديا، وعلى توترات اجتماعية مستمرة، وعلى أساس سياسي مهترئ، والأخطر أن يقول لك متهم بالغش في البكالوريا “علاه أنا واش درت، أنا ماسرقتش سوناطراك، وإذا تعاقبوني عاقبوا شكيب خليل قبلي”.
ليس معقولا أن ننفق 400 مليار دولار في 14 سنة، ونحصد هذا الزرع القليل من التنمية، ونستمر في استيراد الدواء والغذاء والقمح والبطاطا... هذا الرقم كفيل بأن يبحث الشعب عن أكثر من شكيب في السلطة، وأكثر من خليل في الشركات الكبرى والصغرى، لأنه حين يصير الوزير يغرف من المال العام، بصفته ومنصبه، في حالة شكيب خليل، وابن أخ الوزير في حالة فريد بجاوي ابن وزير الخارجية السابق محمد بجاوي، والمدير في حالة مدير سوناطراك السابق محمد مزيان، ووالي في حالة ولاة وهران والطارف والبليدة السابقون، ورؤساء البلديات في حالات لا يحصى ذكرها (مع الاحتفاظ لهم بالحق في الدفاع عن أنفسهم)، تكون الدولة قد وصلت إلى وضع الدولة المثقوبة المشكوبة (من شكيب) ويكون الشعب مثل الأطرش في زفة ريح والنائم في الخل كالمخلل (من خليل).
|
|