الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين،وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين،أما بعد:فشهر رمضان موسم خير وبركة،تُرجى فيه التوبة والمغفرة،وتُزكّى فيه النفس بطاعة اللّه فيما أمر ،والانتهاء عما نهى وزجر،وتُدرّب على كمال العبودية للّه تعالى،فالصّيام يحفظ للصّائم صحة بدنه ،ويُشعره بنعمة الله عليه،فيُقبل على رمضان بالصّيام،ويجتهد في حسن عبادته استجابة لنداء المنادي:((ياباغي الخير أقبِل،وياباغي الشرّ أقصر))(1)،فيطوِّع نفسه الأمارة بالسّوء بكسر شهواتها والتحرّر من مألوفها حتى تصير مطمئنة،فيتدرج بها في منازل الطاعة ويرتقي بها إلى مصاف أهل التقوى والدين.قال ابن القيم رحمه الله :((فالصّوم يحفظ على القلب والجوارح صحّتها،ويعيد إليها مااستلبته منها أيدي الشّهوات،فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى‹‹يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)››(البقرة)،وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((الصّيام جُنّة))(2)،وأمر من اشتدّت عليه شهوة النّكاح ولا قدرة له عليه بالصّيام،وجعله وِجاء هذه الشّهوة.
والمقصود:أنّ مصالح الصّوم لمّا كانت مشهودة بالعقول السّليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم،وإحسانا إليهم ،وحمية لهم وجُنة ))(3).
هذا،والنوم معدود من السّنن الفطريّة التي يحتاج إليها البدن للرّاحة والتّقوّي على الأعمال الدّينيّةوالطّاعات،وعلى الأعمال الدّنيوية من التّكسّب والاسترزاق،لأنّ للبدن حقّه من ملاذّ الحياة والرّاحة،فلهأن يأخذ حقّه من النّوم باللّيل ويقيل بالنّهار،لقوله صلى الله عليه وسلم:(قيِلُو فإنّ الشياطين لا تُقيل)(4).
غير أنّ الإسراف في النّوم فيه مضرّة للنفس والبدن،والعلماء أجمعوا على أن الصّائم إذا استيقظ في النّهار ولو لحظة واحدة وكان قد نوى الصّيام من اللّيل فإنّ صيامه صحيح،لأن النوم لا ينافي الصّيام،إلا أن هذا الحكم لا يعني جواز الإسراف في النّوم تجاوزا لمقدار حاجة البدن إليه، لما في ذلك من تفويت عريض لمطالب الدّين والحياة،وتعويد النفس على الخمول و الكسل والركون إلى الرّاحة،الأمر الذي يفضي إلى استثقال العبادات،وصعوبة أداء الطّاعات،والتّخلّي عن المستحبّات،والقصور في المهمّات ومصالح الحياة.
والسّبب الرئيس في استغراق ساعات تهار رمضان في النّوم يرجع إلى استهلاك لياليه بالسّهر والسّمر،وقد يُستتبع ذلك باللّهو و الباطل ممّا للانسان ميول وشهوة،أو التّشاغل بما لايرضي الله تعالى من آفات اللّسان والجوارح والخوض مع الخائضين،وغيرها ممّا فيه مضرّة مجردة عن المنافع، إلا ان يكون السّمر لمصل أو مسافر أو لاصلاح ذات بين أو لأمر من امور المسلمين،لقوله صلى الله عليه وسلم:(لاسمر إلاّ لمصلّ أو مسافر)(5)،فالسمرفي العلم يلحق بالسمر في الصلاة النافلة.
كما يُلاحظ من جهة أخرى أنّ استهلاك اللّيل بالسّهر يُكسب الساهر فتورا يدفعه إلى النّوم طوال ساعات النّهار،الأمر الذي يخالف السّنة المطهّرة ويجانب الفطرة البشرية،فقد جعل اللّيل سكنا والنّهار للانتشار وطلب المعاش قال تعالى:‹‹ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ( 9 ) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ( 10 ) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا(11)››(النبأ).
كمايؤدي النوم في النهار بالصّائم إلى تضييع الصلاة عن وقتها وهذا خطر عظيم ينبغي الحذر منه،فقد رتب الله تعالى عن هذا الوعيد الشديد يقول الله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )(الماعون).
وإذا كانت الصلاة أهمّ ركن بعد الشهادتين ،والتي هي عماد الدين ،فلا يُعقل صوم بلا صلاة وصلاة بلا صوم،لأن الواجبات المفروضة تمثّل وحدة متماسكة لا تقبل التجزئة،فهي كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا. قيكون صيام تارك الصلاة اقرب لتقليد الناس وليس امتثالا لأوامر الله نسأل الله السلامة والعافية.
ومن الخيرات التي يجب أن يسارع إليها الصّائم الإكثار من ذكر الله والاستغفار والدّعاء وتلاوة القرآن بالاجتهاد في ذكره وشكره وحسن عبادته،فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا عَمَلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً قط أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّه)(6).وقد أمر بدعائه فقال:‹‹وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم››غافر،كما يحرص الصّائم في رمضان على الجود وفعل الخيرات وبذل المعروف و الإحسان وإطعام الطّعام فقد(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان)(7).فعلى الصّائم أن يغتنم الأوقات الفاضلة في الذّكر والطّاعةوالجود ولا يضيّعها بالنّوم الكثير المفوّت لمصالح الدّين والحياة.
نسأل الله أن يُصلح أحوالنا ويُعلي همّتنا في الخير و يفقّهنا في الدّين ويثبتنا على الحقّ ويعيننا على طاعته وحسن عبادته.
(1)أخرجه التّرمذي في ‹‹الصّوم››،وابن ماجه في الصّيام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.وصحّحه الألبانيّ في ‹‹صحيح الجامع››.
(2)أخرجه البخاريّ في ‹‹الصّوم››،ومسلم في الصّيام،من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(3)‹‹زاد المعاد››لابن القيّم.(4)أخرجه أبو نعيم في ‹‹أخبار أصبهان››،والطبراني في ‹‹الأوسط››،من حديث أنس رضي الله عنه،وحسّنه الألبانيّ في ‹‹السّلسلة الصحيحة››.(5)أخرجه أحمد في ‹‹مسنده››،من حديث ابن مسعود رضي الله عنه،وحسّنه الألبانيّ في ‹‹السّلسلة الصّحيحة››(6)أخرجه أحمد في ‹‹مسنده››،من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه،وصحّحه الألبانيّ في ‹‹صحيح الجامع››.(7)أخرجه البخاريّ في ‹‹الصّيام››،ومسلم في ‹‹الفضائل››،من حديث ابن عبّاس رصي الله عنه.
|
|