القريـــة الكريمـــة ... والمدينـــة البخيلـــــة !!


... في وليمةٍ عائليّةٍ البارحة ، التقيتُ مع الأهل والأحباب في جوٍّ بهيجٍ تصافَحَتْ فيه الأيادي وتعانقت فيه القلوب ، وتبادل فيه الإخوان البسمات الصّادقة ، والأخبار الجديدة ، والحكايا الطّريفة ، وكمًّا مشّوقًا من النّكت واللّطائف ، وكانت لي هناك جلسةٌ مع شابّين طيّبين من قريتي ، فرُحنَا نتجاذبُ أطراف الحديث حول نعمة الجماعة وحرص أهلنا على لَمِّ صفّها وتجميع أفرادها في كلّ مناسبة تلوح ، كما تكلّمنا عن الكرم والأريحيّة الجِبِلِّيَّةِ المغروسة في دماء آبائنا وأجدادنا .. وفي ثنايا الحديث عن ذلك استوقفني كلامُ أحد الشّابّين ، وبلغَ تأثيرُ ما سمعتهُ منه في وجداني مَبْلَغًا ، إذ استشهد الشّابُّ في المقارنة بين ناس القرية وناس المدينة في موضوع الكرم والضّيافة بآيتين من سورة (الكهف) [ نقلاً عن شيخٍ من المشايخ ] فقال : يقول الله -تعالى - : " فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبَوْا أن يضيّفوهُمَا ... " ،ويقول في آية أخرى من نفس السّورة : " وأمّا الجدارُ فكان لغُلامَيْنِ في المدينة ... " ، وأضاف شارحًا : فقد أطلق المولى - عزّ وجلّ - لفظ " القرية " على المكان الذي قصدهُ سيّدنا موسى وسيّدنا الخضر - عليهما السّلام - في البداية ، في تَوَقُّعٍ بكَرَمِ أهلها واستعدادهم لاستضافة الرّجلين الصّالحين ، وأصلُ كلمة " قرية" في اللغة العربيّة من القرار والإستقرار والقِرّ أين يسود الهدوء وتوجد الفطرة النّقيّة والطبائع السويّة ، وربّما كان " القِرى" من "القرية" أو العكس ، و"القِرى" هو : إكرام الضّيف وحمايته ... بينما سمّى الحقّ - سبحانه - تلك القرية : "المدينة" في الآية اللاّحقة ، فنفى عنها بذلك صفة الكرم والجود والأريحيّة لِمَا اقترفَتهُ في حقّ النبيّ والرّجل الصّالح من الجفاء والقسوة والبخل ، فتَعَجَّبتُ لهذه اللطيفة الرّبانيّة وقلتُ : صدق ربّي - سبحانه - ونحنُ في وقتنا الرّاهن نعاينُ هذا ونشاهده ، فإذا نحنُ نَـأَيْنَا عن قُرانا البسيطة النقيّة وولّيْنَا وجوهنا شطر بعض المدن المجاورة ، أو شطر مدنٍ جديدة كانت بالأمس القريب قُرًى صغيرة ، تعجّبنا من غلبة الشحّ والبخل وغلظة الطّبع وقسوة قلوب النّاس ، وربّما تكرّمنا على بعض أهلها مرّاتٍ ومرّاتٍ ، لكنّنا في حضرتهم لا نشبع إلاّ من كثير الكلام والمجاملة والضحكات "الصّفراء". فقال الشابّ : الحمد لله الذي أنبتنا قرويّين يسكنُ الكرم فينا وينبعُ ، من غير تكلّفٍ ولا تصنّع ... وأضاف - مازحًا - : أوصيكم كما أوصاني أحدهم ( إذا اعتدى عليك واحدٌ من أهل المدينة "الفلانية" وأردتَ أن تُفزِعهُ وتُخيفه فاسأله : " أين تقع دارك ؟ " ، أو قل له : " العشاء عندك الليلة " !! ) ، فضحك الجميه من هذه النّكتة.

يوم الجمعة 28 جوان 2013م- الدّيس

موضوع رائع ويستحق التقييم
بارك الله فيك
لا تحرمنا من مواضيعك القيمة دمت فخرا للمنتدى أستاذ إبراهيم