حق
على العاقل أن يتخذ مرآتين ينظر في إحداهما إلى مساؤئ نفسه فيتصاغر بها
ويدع ما استطاع منها ، وينظر في الأخرى إلى محاسن الناس فيحتذيهم فيها
ويأخذ منها ما استطاع.
فطنة حكيم
كتب
رجل لحكيم يقول لم تبخل على الناس بالكلام ؟ فقال : إن الخالق سبحانه قد
خلق لك أذنين ولسانا واحداً لتسمع أكثر مما تقول ، لا لتقول أكثر مما تسمع
.
آداب المجالسة
إذا
جلست فأقبل على جلسائك بالبشر والطلاقة ، وليكن مجلسك هادئاً ، وحديثك
مرتباً ، واحفظ لسانك من خطئه ، وهذب ألفاظك والتزم ترك الغيبة ، ومجانبة
الكذب ، والعبث بإصبعك في أنفك وكثرة البصاق ، والتمطى والتثاؤب والتشاؤم ،
ولا تكثر الاشارة بيدك واحذر الايماء بطرفك إلى غيرك ، لا تلتفت إلى من
ورائك فمن حسنت آداب مجالسته ثبتت في الأفئدة مودته ، وحسنت عشرته وكملت
مروءته .
من سماحة الاسلام
تنازع
علي بن أبي طالب على سيف مع يهودي ، كل منهما يدعي السيف له واختصما إلى
أمير المؤمنين عمر وكان قاضي المسلمين آنذاك فقال سيدنا عمر لسيدنا علي قف
إلى جوار خصمك يا أبا الحسن فغضب سيدنا علي غضباً شديداً حتى بان أثر الغضب
في وجهه فقال له سيدنا عمر ما الذي أغضبك يا أبا الحسن قال أغضبني أنك
ميزتنى على خصمي وكنيتني بـ أبي الحسن ، وأنا وهو سواء ولا ميزة لأحدنا على
الآخر حتى وإن اختلفنا في الدين فما كان من اليهودي إلا أن قال إلى هذا
الحد يأمركم دينكم والله إنكم لخير الناس خلقا وإن دينكم لهو الدين السمح
الكريم وإنكم لعلى الحق المبين وإني لأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمد رسول الله أما السيف فهو لك يا علي واعتنق اليهودي الإسلام وصار من
أعظم المسلمين شأنا .
طلب العطاء
دخلت
امرأة على أمير المؤمنين هارون الرشيد تبكي وفي يدها دجاجة مشوية فقال لها
الخليفة ما يبكيكِ يا ابنتي قالت يا أمير المؤمنين كانت عندي دجاجة وكنت
أحبها حبا شديدا فنذرت أن أدفنها في خير بقعة بعد موتها فلما ذبحت وشويتها
لم أجد لها قبرا خيرا من بطنك يا أمير المؤمنين فجئت بها إليك فقال شكر لك
على هذا الصنيع الجميل أعطوها مائة دينار ، ودخلت امرأة على أمير المؤمنين
وهي تبكي فقال لها ما يبكيكِ يا أمة الله قالت يا أمير المؤمنين إن الفأر
لم يعد له مكان في بيتي فقال الخليفة لقد أجملت في الطلب فاجملوا لها في
العطاء .
أثر الصلح مع الله
يحكى
أن أعرابياً كان يتخذ طريقة إلى مكان ما فرأى ذئبا يرعى غنما فوقف يتعجب
من هذا المنظر الغريب بعض الوقت وذهب إلى حال سبيله وبعد بضعة أمتار تزيد
على الخمسمائة متر رأى امرأة جالسة تغزل الصوف فاستوقفته وسألته قائلة :
أرى على وجهك علامات العجب فمما تتعجب قال : أتعجب لأني رأيت ذئباً يرعى
غنماً فكيف يحدث ذلك قالت : أتدري من صاحب الغنم قال : لا قالت : أنا صاحبة
الغنم ثم قالت : أتدري متى اصطلح الذئب على الغنم قال : لا قالت : اصطلح
الذئب على الغنم منذ اصطلحت على الله رب العالمين يا سيدي إن العبد إذا
اصطلح على الله أصلح له كل شيء.
فصاحة عربية
مر
الأصمعي يوما على طفلة في السابعة من عمرها تنشد الشعر فأعجبه شعرها
فسألها أشعرك هذا يا بنيتي قالت نعم فقال لها مظهرا إعجابه بها ما أفصح
لسانك وما أعذب بيانك فنظرت له الطفلة نظرة فاحصة وقالت له لكأنك الأصمعي
قال لها : نعم قالت : يا أصمعي أين بلاغتي من بلاغة القرآن الكريم تأمل قول
الله عز وجل وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم
ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين فإذا تأملت هذه
الآية يا أصمعي وجدتها جمعت بين أمرين ونهيين وبشارتين فالأمران هما أرضعيه
فألقيه في اليم والنهيان هما لا تخافي ولا تحزني والبشارتان هما إنا رادوه
إليك وجاعلوه من المرسلين .
كيف أصبحت ؟
دخل
عمر بن الخطاب يوما على أبي حذيفة ابن اليمان فسأله كيف أصبحت يا أبا
حذيفة قال أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق وأصلي من غير وضوء ولي في الأرض ما
ليس لله في السماء فتعجب عمر بن الخطاب من هذه الإجابة وذهب إلى علي بن أبي
طالب وقص عليه هذا الحوار وقال له علي : أن أبا حذيفة صادق فيما حدثك به
قال : وكيف ذلك يا على قال : يقول لك أنه يحب الفتنة يعني يحب المال والمال
فتنة أما قرأت قول الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة ويكره الحق أي
الموت والموت حق ويصلي من غير وضوء يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهل الصلاة على رسول الله تحتاج إلى وضوء وله في الارض ما ليس لله في
السماء له في الارض زوجة وولد وليس لله زوجة ولا ولد .
أسخياء المسلمين
حكى
الهيثم بن عدي قال تمارى ثلاثة في أجواد الاسلام ، فقال رجل : أسخى الناس
في عصرنا هذا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب . وقال آخر : أسخى الناس غرابة
الأوسى . وقال آخر : بل قيس بن سعد بن عباده . وأكثر الجدل في ذلك وكثر
ضجيجهم وهم بفناء الكعبة فقال لهم رجل : قد أكثرتم الجدل في ذلك فما عليكم
أن يمضي كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ننظر ما يعطيه ونحكم على العيان
.
فقام صاحب عبد الله بن جعفر إليه فصادفه قد وضع رجله في غرز ناقته أي
ركاب الرجل الذي يضع الراكب فيه رحله يريد ضيعه له فقال : يابن عم رسول
الله .
قال : قل ما تشاء . قال : إبن سبيل ومنقطع به . قال : إبن سبيل
ومنقطع به قال : فأخرج رجله من غرز الناقة وقال له ضع رجلك وأستو على
الراحلة وخذ ما في الحقيبة واحتفظ بسيفك فإنه سيف علي بن أبي طالب .
قال : فجاء بالناقة والحقيبة فيها أربعة ألاف دينار وأعظمها وأجلها السيف .
ومضى
صاحب قيس بن عباده . فصادفه نائما .. فقالت الجارية : هو نائم فما حاجتك
إليه ؟ قال : ابن سبيل ومنقطع به قالت : حاجتك أهون من إيقاظه . هذا كيس به
سبعمائة دينار والله يعلم أن ما في داره كيس غيره . خذه وامض إلى معاطن
الابل أى مباركها إلى أموال لنا بعلامتنا فخذ راحلة من رواحله وعبدا وامض
لشأنك.
فقيل إن قيسا لما استيقظ من نومه أخبرته الجارية بما صنعت
فأعتقها ومضى صاحب غرابة الأوسى إليه . فوجده قد خرج من منزله يريد الصلاة
وهو يمشي على عبدين وقد كف بصره . فقال يا غرابة ابن سبيل ومنقطع به ، فخلى
العبدين وصفق بيمناه على يسراه وقال أواه أواه ما تركت الحقوق لقرابة مالا
ولكن خذهما يعني العبدين قال ما كنت بالذي أقص جناحيك . قال إن لم تأخذهما
فهما حران فإن شئت تأخذ وإن شئت تعتق وأقبل يتلمس الحائط بيده راجعا إلى
منزله فأخذهما وجاء لهما فثبت أن الثلاثة هم أجواد عصرهم ، إلا أنهم حكموا
لغرابة أعطى غاية جهده .
قول له مناسبة
أما
القول فهو لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث قال : نحن أحق بالعدل من كسرى
يا عمرو وأما المناسبة فإن عمرو بن العاص لما دخل مصر ذهب إلى يهودية وطلب
منها قطعة أرض في حجم جلد البعير فوقفت اليهودية وكان عمرو بن العاص معروف
بدهائه ومكره فجاء بجلد البعير وقصه إلى أشرطة دقيقة فأخذ مساحة كبيرة جدا
من الارض فغضبت اليهودية غضبا شديدا وقالت له : سأشكوك إلى عمر بن الخطاب
فأخذت عبدها وذهبت إلى المدينة وسألت عن عمر بن الخطاب فرأته في وسط الطين
يعمل في بناء مسجد ولما شكت له حال عمرو بن العاص في مصر جاء بقطعة من
الفخار وكتب عليها رسالة وقال لها : سلميها إلى عاملنا عمرو بن العاص
فاستخفت به اليهودية وبرسالته لأنها لم تستطع قراءتها ورمتها في الأرض
احتقارا لشأنها فأخذ عبدها قطعة الفخار التي كتبت عليها الرسالة ووضعها في
جيبه ولما وصلت المرأة إلى مصر سألها عمرو بن العاص : ماذا فعلت مع أمير
المؤمنين قالت : هو مثلك وكلكم من شكل واحد أعطاني قطعة الفخار وقال : سلمي
هذه الرسالة إلى عمرو بن العاص فأخذتها فلم اقرأ عليها شيئا فرميتها في
الأرض احتقارا لشأنها قال العبد : ولكني أتيت بها معي قال : عمرو بن العاص
فأرينها فأخذ عمرو الرسالة وقرأها وقبلها ووضعها فوق رأسه وقال للعمال كفوا
عن البناء قالت اليهودية في عجب : وما الذي حملك على هذا قال : أمرني بذلك
أمير المؤمنين ولا بد ان التزم أمره قالت اليهودية : ولكني لم اقرأ شيئا
في الرسالة قال عمرو : لأنها كتبت بنور الايمان فلا تقرأ إلا بنور الايمان
فما كان من اليهودية الا أن أعلنت إسلامها إزاء هذا الموقف وأعطاها عمرو
الرسالة لتقرأها فإذا مكتوب فيها بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص عاملنا على مصر أما بعد فنحن أحق
بالعدل من كسرى يا عمرو فما كان من اليهودية إلا أن قامت بإتمام بناء
المسجد على نفقتها الخاصة.
علامات المؤمن
إن
من علامة المؤمن قوة في الدين وحزماً في لين ، وإيمانا في يقين ، وحكماً
في علم ، وكسباً في رفق ، وإعطاءاً في حق ، وقصداً في غنى ، وغنى في فاقة ،
وإحساناً في قدرة وطاعة في نصيحة ، وتورعاً في رغبة ، وتعففاً في جهة ،
وصبراً في شدة ، وفي المكاره صبوراً وفي الرخاء شكوراً.