في القديم ، كانت عملية التنقل عسيرة جدا فقد كان على القدماء أن يجدوا
طرقا مبتكرة ليتجنبوا الضياع و فقدان الطريق فأصبحوا يعلمون بعض الأماكن
ويتخدونها مرجعا للسفر و منهم من كان يعتمد على حركة النجوم في الليل و
منهم من قام برسم خرائط معقدة للطرق و المسالك المهمة .
أما اليوم فقد أصبحت الأمور أكثر سهولة ، فبإمكان أي واحد منا أن يقتني
جهازا صغيرا تقل تكلفته عن 100 دولار و بواسطته يمكنك أن تعرف مكانك بالضيط
في أي بقعة في العالم و في أي لحظة ، ما دمت تملك جهاز تحديد المواقع
( GPS ) و سماء صافية فلن تضيع طريقك أبدا .
في هذا الموضوع سوف نلقي نظرة على كيفية عمل جهاز تحديد المواقع ( GPS
أو Global Positioning System ) رغم أنه يحتوي على كثير من التكلونوجيات
الحديثة إلا أن المبدأ الأساسي لعمله سهل جدا .
عندما يتحدث الناس عامة عن جهاز تحديد المواقع فهم يقصدون جهاز GPS أو
Global Positioning System و هو في الحقيقة عبارة عن 27 قمرا إصطناعيا ( 24
مستعملة حاليا و 3 لتعويض أي قمر إصطناعي في حالة عطب ) . و قد قام الجيش
الأمريكي بإنشاء هذه الشبكة بهدف التواصل مع بعضه البعض ثم تم فتحه للإستعمال العام .
كل قمر قمر صناعي ( يزن من 1360.7 كغ إلى 1814.3 كغ ) يدور حول الأرض
بسرعة 19300 كم في الساعة حيث يلف الكوكب مرتين يوميا و قد وزعن هذه
الأقمار بطريقة تجعل على الأقل 4 أقمار صناعية مرئية في أي منطقة من العالم.
يتمثل عمل جهاز تحديد المواقع في تحديد مكان هذه الأقمار الصناعية
الأربعة ( أو أكثر ) ثم قياس المسافة بينه و بين كل من هذه الأقمار وبعدها
يستعمل هذه المعلومات لتحديد مكانه الخاص . إن هذه العملية مبنية على نظرية
رياضية بحتة حول ” التثليث المساحي “ وباللغة الإنجليزية تدعى ”
trilateration ” . إن نظرية التثليث المساحي الثلاثي الأبعاد معقدة بعض الشيئ و لكننا سنتطرق أولا إلى التثليث المساحي ذو بعدين فقط .
- التثليث المساحي ( trilateration ) ( ثنائي الأيعاد ) :
تخيل تفسك في مكان ما في الولايات المتحدة الأمريكية و
لسبب ما فقدت الطريق و أصبحت تجهل في أي منطقة أنت ، ثم إلتقيت أحد السكان
المحليين وسألته عن مكانك فيقول لك ” أنت تبعد بحوالي 625 مبل عن مدينة
Boise في ولاية
Idaho .
و لكن الجواب ليس كافيا فقد تكون في أي مكان في محيط دائرة قطرها 625 ميل و مركزها
Boise :
ثم تسأل شخصا أخر فيجيبك ” أنت تبعد 690 ميل عن مدينة
Minneapolis في ولاية
Minnesota ” ، الأن فقط قد تحدد مكانك بدقة أكثر فعندما تدمج المعلومات الأولى و
الثانية سوف تحصل على تقاطعين و ستعلم يقينا أنك في إحدى ذين التقاطعين :
إذا أخبرك شخص ثالث أنك تبعد بحوالي 615 ميل عن مدينة
Tucson في ولاية
Arizona ، سوف تصبح قادرا على تحديد مكانك بالضبط ( أي في إحدى التقطعين السابقين ) و بأنك في
Denver في ولاية كولورادو :
نفس المبدأ ينطبق على الحالة الثلاثية الأبعاد بإستثناء أنك سوف تعمل بكرات ( مجوفة من الداخل أي
spheres ) و ليس بدوائر .
- التثليث المساحي ( trilateration ) ( ثلائي الأيعاد ) :
إن المبدأ كما قلنا لا يختلف عن التثليث
المساحي الثنائي الأبعاد و لكن الأمر بالنسبة للثليث المساحي الثلاثي
الأبعاد قد يكون أصعب قليلا للتخيل ، فلنفترض أنه في المثال السابق ( Boise ) توجد أنصاف قطر تنطلق من المركز ( مدينة
Boise ) و تمتد في جميع الإتجاهات فبدلا من تمثيلها على شكل دوائر ، سوف نضطر إلى تمثيلها على شكل مجال كروي .
فإن عرفت أنك تبعد حوالي 10 ميل عن عن القمر الصناعي ( 1 ) فمن المحتمل
أن تكون في أي مكان على طول مجال كروي كبير بنصف قطر يبلغ 10 ميل ، و إذا
عرفت أيضا أنك تبعد عن القمر الصناعي رقم ( 2 ) ب 15 ميل فسينشأ لديك مجال
كروي أخر ذو نصف قطر يبلغ 15 ميل و لكن سينتج لدينا مجال كروي مشترك بين
القمر الصناعي ( 1 ) و القمر الصناعي ( 2 ) و هو ما يقلل الإحتمالات ، و
إذا إستطعت أن تدرك المسافة بينك وبين قمر صناعي ثالث ( 3 ) سوف تحصل على
مجال كروي ثالث سوف يتقاطع بدوره مع المجالين السابقين .
و تستطيع الأرض أن تعمل كمجال كروي رابع ( 4 ) و بذلك سوف تحصل على
نقطتي تقاطع فقط أحداها في الأرض والثانية في الفضاء ( بذلك سوف تستطيع أن
تحصل على موقعك لأن سوف تلغي نقة التقاطع الموجودة في الفضاء ) ، و لكن
جهاز تحديد المواقع يعتمد على 4 أقمار أو أكثر لزيادة الدقة .
و لإجراء هذه الحسابات البسيطة ،يجب على جهاز تحديد المواقع أن يعرف شيئين مهمين :
1. تحديد مكان ثلاث أقمار صناعية على الأقل .
2. المسافة بينك و بين كل من هذه الأقمار الصناعية .
يستطيع جهاز نحديد المواقع أن يتوصل لهاتين المعلومتين عن طرق تحليل
التردد المرافع و المنخفض لأمواج الراديو القادمة من الأقمار الصناعية و
يحتوي الجهاز على مستقبلات متعددة بإمكانها أن تحلل ترددات أكثر من قمر صناعي في نفس الوقت .
إن أمواج الراديو هي عبارة عن طاقة كهرومغناطيسية و هذا يعني أنها تتحرك
بسرعة 300 ألف كم في الساعة ( سرعة الضوء ) فبإمكان مستقبل جهاز تحديد
المواقع أن يحدد المسافة بينه و بين القمر عن طريق حساب الزمن الذي إستغرقته الأمواج للوصول .
- الحسابات الخاصة بجهاز GPS :
في الفقرة السابقة ، قلنا أن جهاز تحديد المواقع يحدد المسافة بينه و بين القمر الصناعي عن طريق
الزمن الذي تستغرقه الموجات للوصول إلى المستقبلات . و هذه العملية في الحقيقة معقدة جدا .في وقت محدد ( في منتصف الليل مثلا ) يبدأ الصناعي بإرسال نمط قمي طويل يدعى الرمز شبه عشوائي (
pseudo-random code ) ، و يقوم المستقبل على مستوى جهاز تحديد المواقع بتشغيل نفس النمط
الرقمي و في نفس الوقت ( منتصف الليل ) . عندما تصل موجات القمر الصناعي
إلى المستقبل فإن إرسال النمط الرقمي سوف يتخلف قليلا عن النمط الرقمي الذي يشغله المستقبل .
إن طول التأخر يساوي بالضبط المن الذي إستغرقته الموجة للوصول ، يقوم
المستقبل بضرب الزمن بسرعة الضوء لتحديد المسافة التي قطعتها الموجة و
بإفتراض أن الموجة قد قطعت المسافة على خط مستقيم فهي تمثل إذا المسافة بين المستقبل و القمر الصناعي .
و للقيام بهذه العمليات ، يحتاج كل من القمر الصناعي و مستقبل جهاز
تحديد المواقع مؤقتات متزامنة ( synchronized clocks ) بوحدة النانومتر و
لجعل القمر الصناعي يعمل بهذه الطريقة يجب تركيب مايدعى بالمؤقت الذري (
atomic clocks ) على كل من القمر و المستقبل ، ولكن هذه المستقبلات باهضة الثمن و يبلغ
ثمنها بين 50 ألف إلى 100 ألف دولار و هو ما يجعلها بعيدة عن متناول العامة من الناس .
و هناك طريقة ذكية و عبقرية جدا أدت إلى حل هذه المشكلة ولكن شرح تفاصيلها صعب جدا و مليئ بالمفردات التقنية و التفاصيل العلمية .
شيئ أحر مهم ، حتى تستفيد من جهاز تحديد المواقع يجب على جهاز الإستقبال
الخاص يه أن يحدد مكان القمر الصناعي بإستمرار و لكن الأقمار الصناعية
تتحرك بإستمرار بسرعة كبيرة و على مسارات محددة ، و ببساطة يقوم جهاز
الإستقبال في جهاز تحديد المواقع بتخزين التقويم الذي يدله على مكان القمر الصناعي في كل لحظة .
أما في ما يخص قوة جذب الشمس والقمر التي تؤدي إلى إنحراف القمر الصناعي
، تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بالمراقبة المستمرة لحركة القمر و تقوم بإرسال أي تعديلات محتملة إلى أجهزة الإستقبال .