وجد مترشحون لانتخابات 29 نوفمبر فرصة فريدة، لترقية مكانتهم في السُلّم الاجتماعي، بمناصب ''وهمية'' دوخوا بها الناس، في الملصقات الانتخابية بالأحياء والمداشر والبلديات ووسط المدن.
منحت ملصقات انتخابية بطالين مناصب نوعية، وموظفين بسطاء وظائف سامية، كما حولت ''البطال'' إلى ''موظف'' و''بزناسي الشنطة'' إلى ''رجل أعمال''، والممرض إلى طبيب، طيلة 21 يوما، فترة حملة انتخابية، لمحليات صارت لدى بعض المترشحين ''الخجولين'' من مكانتهم الاجتماعية، فرصة لا تعوّض لاستعراض مكانة اجتماعية، لا يعلمها غيرهم في أحيائهم وقراهم وبلدياتهم، حتى وإن تطلب ذلك الكذب على الناس، من أجل استمالة الناخبين، لقوائمهم الانتخابية، وهو رهان حتى وإن كان ضعيفا لدى البعض، إلا أن مجرد تقديم الترشيح بوظيفة ''راقية'' مقارنة بما عرف عند الناس، يعد بمثابة إضافة على الصعيد الاجتماعي لديهم، يتمنون لو أن تلك الملصقات لا تزول بزوال الحملة الانتخابية، كما عهد المواطنون في الاستحقاقات الماضية، حتى ترتسم في مخيلات الناس أن فلانا ''موظف'' وذاك ''طبيب''، والآخر مستشار تربوي.
وتشهد الملصقات الانتخابية ''فضائح'' الكذب العلني و''الهف''، يكشف عنه الأصدقاء أو الأقارب عن مترشح قدم تصريحا كاذبا، في سعي إلى الرفع من قيمته في ملصقة انتخابية، أورد فيها أنه ''جامعي'' بينما لا يتعدى مستوى تعليمه ''المتوسط''، وهي ظاهرة تكررت في العديد من البلديات، وتوزعت على مختلف الأحزاب وليس حزبا بعينه، بينما من عرف أنه طالب في كلية الحقوق ببن عكنون، منحته الملصقة الانتخابية وظيفة ''محام''، في ظاهرة قديمة بعض الشيء، أما الجديد فيها، أنها صارت عادية جدا في زمن أحزاب وحزيبات، لا يهم ممثليها مبدأ المستوى التعليمي بقدر ما يهمهم ملء القوائم، لكنهم يمتثلون لروح الدستور الذي يجعل من كل الجزائريين سواسية.
فقد كتب مترشح في بلدية شرق العاصمة، في الملصقة الانتخابية أن سنه ( 35سنة)، وفي خانة الوظيفة كتب (متقاعد)، وخلف الملصقة طرح تساؤل، ما طبيعة العمل الذي كان يمتهنه هذا المترشح حتى تقاعد في سن الـ,35 بينما اجتهد البعض للقول إن المعني، ربما كان ضمن عناصر الحرس البلدي الذين استفادوا من التقاعد المسبق، وراح آخرون للتأكيد أن ما كتب كان ''غلطة''، لكن ''الغلطة'' لا يمكن أن تتكرر، على هذا النحو، في بلدية شمال بومرداس، تضمنت ملصقة انتخابية فيها، اسم مترشح معروف لدى الجميع أنه ''ميكانيكي''، بينما كتب في الملصقة ''أستاذ''، وهو الذي، ربما، سمع أن عبد العزيز بلخادم، قال خلال التشريعيات إن البرلمان ليس مجلسا أكاديميا حتى نشترط المستوى التعليمي العالي على من يرغب في الترشح؟
وتعكس الظاهرة التوليفة السلبية، لقراءات أشخاص جعلوا من الترشح للانتخابات أمرا عاديا، في ظل تلافي السُلّم الاجتماعي، أمام ''ديكليك'' سياسي، عزل النخبة شيئا فشيئا، عن مواقع إدارة شؤون العامة، وحلت محلها ''عامة العامة''، عمدت إلى تضخيم ''سِيرها الذاتية''، درءا لسخرية الناس، بما لا يشتهي فيلم ''مخلوف البومباردي'' الذي لم يخجل من واقعه ومن مستواه لما ترشح للبلدية وفاز، رغم أنه نسي عائلته، والواقع أن هذا الواقع يتكرر باستمرار ولا تجد له صورة ثابتة دوما بثبات ملصقات تكاد لا تتوزع، هذه المرة، إلا على جدران عائلات المترشحين وأقاربهم.
وإن كانت الظاهرة لصيقة انقلاب المفاهيم، ومتصلة بنفسية معينة خجولة من نفسها في صراع سياسي قديم، بين ''الأمي والمتعلم''، وتبتغي تغيير واقعها بمجرد ''ملصقة انتخابية''، إلا أن استفحالها كان بموجب فراغ ''مقنن''، لا ينطلي على مسار رقابي، يفترض أن تقوم به مديريات التنظيم والشؤون القانونية، المعنية بالتحري في مدى مطابقة الشهادة المودعة في ملف المترشح أو المهنة، مع ما ألصقه على الجدران، على ما ذكره مصدر إداري، أخلى أصحاب المطابع من مسؤولية ما يحدث، طالما أن طابعها تجاري كتجارة ملصقات، من فوّت فرصتها، هذه المرة، عليه انتظار خمس سنوات أخرى، إن ضمن الحياة.
|
|