[b][b]بل استمع إلى هذا الامتحان الصعب الذي أثبت
فيه المحبون أنهم إلى ربهم مشتاقون ، وفي
رضاه راغبون ، ولسان حالهم :
فليتك تحلوا والحياة مريرة . .
الأنصار في العقبة :
عن جابر . قال : مكث رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم ،
عكاظ و مجنة ، و في المواسم يقول : من يؤويني ؟
من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالة ربي و له الجنة
فلا يجد أحداً يؤويه و لا ينصره ، حتى إن
الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر ـ كذا قال فيه
ـ فيأتيه قومه و ذوو رحمه فيقولون احذر غلام
قريش لا يفتنك ، و يمضي بين رحالهم و هم
يشيرون إليه بالأصابع ..
فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في
الموسم فواعدناه شعب العقبة ..
فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟
قال : تبايعونني على السمع و الطاعة في
النشاط و الكسل ، و النفقة في العسر و اليسر ،
و على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و
أن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة
لائم ، و على أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت
عليكم مما تمنعون منه أنفسكم و أزواجكم و
أبناءكم
فقال العباس بن عبادة الأنصاري : يا معشر
الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟
قالوا : نعم !
قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود
من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما
دعوتموه إليه على نهكة الأموال ، و قتل
الأشراف ، فخذوه ، فهو و الله خير الدنيا و
الآخرة .
وقام أسعد بن زرارة فقال : رويداً يا أهل يثرب
، فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن
نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم
مناوأة للعرب كافة و قتل خياركم و تعضكم
السيوف . فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه
وأجركم على الله ، وإما أنتم قوم تخافون من
أنفسكم خيفة فذروه . فبيبنوا ذلك فهو أعذر
لكم عند الله .
قالوا : يا رسول الله إن بيننا و بين الرجال
حبالاً وإنا قاطعوها ، وإنا نأخذك على مصيبة
الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يا رسول
الله إن نحن وفينا ؟
قال : الجنة
قالوا : ابسط يدك ،
فبسط يده فبايعوه "
فعلوا كل ذلك طمعاً في مغفرة الله تعالى ،
وخوفاً من شر يوم الحسرة والندامة
[ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة
وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا *
متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا
ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذللت
قطوفها تذليلا * ويطاف عليهم بآنية من فضة
وأكواب كانت قواريرا * قوارير من فضة قدروها
تقديرا * ويسقون فيها كأسا كان مزاجها
زنجبيلا * عينا فيها تسمى سلسبيلا * ويطوف
عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا
منثورا * وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا
كبيرا * عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا
أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن
هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي معركة أحد : كان للمحبين امتحان آخر ..
روى مسلم في صحيحه : عن أنس بن مالك أن
المشركين لما رهقوا النبي وهو في سبعة من
الأنصار ورجل من قريش ، قال : من يردهم عنا
وهو رفيقي في الجنة ؟ فجاء رجل من الأنصار
فقاتل حتى قتل . فلما رهقوه أيضاً قال : من
يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ، حتى قتل
السبعة ، فقال رسول الله : ما أنصفنا أصحابنا
..
فهؤلاء السبعة ملوك على الأسرة في الجنة ،
ومن صدق الله صدقه الله
وهم الملوك على الأسرة فوق ها * تيك الرؤوس
مرصع التيجان
ولباسهم من سندس خضور ومن * إستبرق نوعان
معروفان
هذا وتصريف المآكل كل منهم * عرق يفيص لهم من
الابدان
كروائح المسك الذي ما فيه خلـ * ط غيره من
سائر الألوان
فتعود هاتيك البطون ضوامرا * تبغي الطعام على
مدى الازمان
لا غائط فيها ولا بول ولا * مخط ولا بصق من
الانسان
ويرونه سبحانه من فوقهم * رؤيا العيان كما
يرى القمران
أو ما سمعت منادي الايمان يخبر عن منادي جنة
الحيوان
يا أهلها لكم لدى الرحمن وعد وهو منجزه لكم
بضمان
قالوا أما بيضت أوجهنا كذا * أعمالنا ثقلت
ففي الميزان
وكذاك قد أدخلتنا الجنات حين أجرتنا من مدخل
النيران
فيقول عندي موعد قد أن أن * أعطيكموه برحمتي
وحناني
فيرونه من بعد كشف حجابه * جهرا روى ذا مسلم
ببيان
والله لولا رؤية الرحمن في الـــجنات ما
طابت لذي العرفان
والله ما في هذه الدنيا ألـــــــذ من
اشتياق العبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشتاقون إلى الجنة ، قد يذنبون ويخطئون ،
فكل بني آدم خطاء ، لكنهم يسرعون إلى التوبة
والاستغفار ، ويغلبهم الخوف من العزيز
الجبار ..
أولئك الصالحون قد يذنبون لكنهم إذا لاحت
لهم ذنوبهم تجافت عن المضاجع جنوبهم ، وإذا
ذكر الله وجلت قلوبهم ..
صفوا أقدامهم في المحراب ، وأناخوا مطاياهم
على الباب ، في طلب مغفرة الرحيم التواب ..
فهم في محاريبهم أسعد من أهل اللهو في لهوهم
..
فلو أبصرت عيناك موقفهم بها وقد بسطوا تلك
الأكــــف ليرحموا
فـــــلا تـــــــــرى إلا خــــاشعاً
متذللاً وآخــــــــــــــــر يبكــــي
ذنبه يترنم
تراهم على المحراب تجري دموعهم بكياً وهم
فيها أسرّ وأنعـــــــــــــم
ينــــــــــــــادونه يا رب يا رب إننا
عبيدك لا نبــــــغي سواك وتعلم
وهـــــــــــانحن نرجو منك ما أنت أهله
فأنت الــذي تعطي الجزيل وتنعم
فمــــــــــــــا منكم بد ولا عنكم غنى
ومـــــــــا لنا من صبر فنسلو عنكم
ومــــن شاء فليغضب سواكم فلا إذا إذا كنتم
عن عبدكم قد رضيتم
فلله ذاك المشهد الأكرم الذي كموقف يوم
العرض بل ذاك أعظم
ويدنــــــــوا به الجبــــــــار جل جلاله
يباهي بهم أملاكه فهـــــــــــــــو أكرم
يقــــــــول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم
برٌ أجـــــــــــــود وأكرم
فـــأشهدكم أني غفرت ذنوبهم
وأعطيتهــــــــــــم ما أملوه وأَنعَم
حاسبوا أنفسهم أشد المحاسبة ، وصاحوا بها
بألسن المعاتبة ، وبارزوا إبليس بالمحاربة ،
علموا أن عدوهم الأكبر هو إبليس ، تكبر أن
يسجد لأبيهم آدم ، ثم كاد له فأخرجه من الجنة
، ثم أقسم ليحتنكن ذريته إلا قليلاً ،
لم يفرح إبليس منهم بمعصية ، فعجباً لهم من
أقوام :
جن عليهم الليل فسهروا ، وطالعوا صحف الذنوب
فانكسروا ، وطرقوا باب المحبوب واعتذروا ،
واستمع إلى قصة من أعجب القصص أوردها أبو
نعيم في حلية الأولياء وأشار إليها ابن حجر
في الإصابة وابن حبان في الثقات
وهي عن شاب من الصحابة
غلامٌ لم يتجاوز عمره ست عشرة سنة
ثعلبةُ بن عبد الرحمن ..
فما زالوا يترقبونه حتى نزل ..فإذا هو كأنه
فرخ منتوف بالٍ من شدة البكاء ..
نزل منكسَ الرأس .. كسيرَ الفؤاد .. دامعَ
العينين .. يجر خطاه على الأرض حزناً وذلاً ..
[b] أيها الأخوة الكرام
هذه هي الجنة .. وهؤلاء هم المشتاقون إليها
الذين راغموا الشيطان .. وتقربوا إلى الرحمن
..
المشتاقون إلى الجنة الذين أخلصوا لله تعالى
توحيدهم فلم يدعوا غير الله ، ولم يتوجهوا
إلى قبر في طلب حاجة ولم يحلفوا بغير الله
تعالى ، ولم يتدنسوا بسحر ولا شعوذة ..بل
حرصوا على أن تصفو عقائدهم من شوائب الشرك
حتى يلقوا ربهم وهو راض عنهم ..
كيف يكون مشتاقاً إلى الجنة ..ويرجو دخولها
من يتمسح بالقبور لطلب البركات ؟ أو يذبح عند
هذه القبور تقرباً إلى أهلها ؟ أو يعتقد أن
من الأولياء والصالحين من يملك له ضراً أو
نفعاً فيتبرك به ويعظمه طلباً لهذا النفع أو
دفعاً لذلك الضر ؟
المشتاقون إلى الجنة الذين حفظوا نساءهم ،
وأحسنوا تربية أولادهم فعلموهم الصلاة
وحفظوهم القرآن ، وأخلصوا في عبادة ربهم ..
المشتاقون إلى الجنة الذين عزموا على الرجوع
إليها إذ هي منازلهم الأولى قبل أن يكيد لهم
إبليس مكائده ..
فإن تكن اشتقت إلى الجنة فهي قريبة ..
فــحي على جنات عدن فإنهـا منازلنا الأولى
وفيها المخـيم
ولــكننا سبي العدو فهل تـرى نعود إلى
أوطاننـا ونسلـم
وحي على السوق الذي فيه يلتقي المحـ ـبون ذاك
السوق للقوم يعلم
وحي على روضاتها وخيامها وحي على عيش بها ليس
يسأم
وحي على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش
فاليوم موسـم
فلله برد العيش بين خيامهـا وروضاتها والثغر
في الروض يبسم
ولله واديها الذي هو موعد المز يـد لوفـد
الحب لو كنت منهـم
بذيالك الوادي يهيم صبابـةً محب يرى أن
الصبـابة مغنـم
ولله أفراح المحبيـن عنـدمـا يخاطبـهم من
فـوقهم ويـسلم
وللـه أبـصارٌ ترى الله جهرة فلا الضيم
يغشـاها ولا هي تسـأم
فيا ساهياً في غفلة الجهل والهوى صريع
الأماني عن قريب سيندم
أفق قد دنى الوقت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر
نار تضرم
وهيئ جواباً عندما تسمع الندا من الله يوم
العرض ماذا أجبتموا ؟
به رسلي لما أتوكم فمن يكن أجاب سواهم سوف
يخزى ويندم
وخذ من تقى الرحمن أعظم جنة ليوم به تبدوا
عياناً جهنم
وينصب ذاك الجسر من فوق متنها فهاوٍ ومخدوشٌ
وناج مسلّم
وتشهد أعضاء المسيء بما جنى كذاك على فيه
المهيمن يختم
فيا ليت شعري كيف حالك عندما تطاير كتب
العالمين وتقسم
أتأخذ باليمنى كتابك أم تكن بالأخرى وراء
الظهر منك تسلم
وتقرأ فيه كل ما قد عملته فيشرق منك الوجه أو
هو يظلم
فبادر إذا ما دام في العمر فسحة وعدلك مقبول
وصرفك قيم
فهن المنايا أي واد نزلنه عليها القدوم أو
عليك ستقدم
[b] اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار ، وأسكنا
معهم في دار القرار ، ولا تجعلنا من
المخالفين الفجار ، وآتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، يا من لم
يزل ينعم ويجود ، برحمتك …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[b] كتبه :
محمد بن عبد الرحمن العريفي[/b][/b][/b][/b][/b]
|
|