قطع علماء الفلك الشك باليقين إزاء الثقب الأسود العملاق الذي كانوا يرصدونه منذ عشرين
عاماً في قلب مجرتنا “درب التبانة”، فهم اليوم متأكدون تماماً من أن هذا
“الغول” العظيم ا لحجم الذي يشغل حيز ( الفضاء الزمن) وتهوي فيه كل أنواع
المادة التي تمر بجانبه حتى الضوء، يتمركز وسط مجرتنا دون أدنى شك. هذا ما
صرح به باحثون ألمان من معهد “ماكس بلانك” في مدينة ميونيخ الألمانية.
يشير هؤلاء إلى أن مركز المجرة الذي تحيط به مئات المليارات من الشموس يبدو
مخيفاً لأنه يتوارى خلف ستارة سديمية لا يمكن اختراقها، لكن الفريق العلمي
الألماني استطاع باستخدام تلسكوبات مزودة بكاميرات تعمل ضمن نطاق الأشعة
الحمراء وموجودة في المرصد الأوروبي الجنوبي (ايزو) في (سيلاوسيرو
بارانال) بتشيلي بصحراء أتاكاما على ارتفاع 2635 متراً، مشاهدة هذه
المنطقة من خلال متابعتهم المستمرة لثلاثين نجماً عملاقاً تتركز حول هذا
المركز المخفي. ولاحظ هؤلاء أن أحد هذه النجوم أكمل دورته خلال فترة الرصد
حول المنطقة المعنية، وتبين لهم أن النجوم الأسرع في حركتها تدور حول
النقطة المركزية بسرعة تصل إلى 10 آلاف كيلومتر في الثانية وهي سرعة مذهلة
إذا ما قورنت بسرعة الشمس التي تبلغ 230 كيلومتراً في الثانية.
وبما أن قانون الجاذبية الكونية عام التطبيق، فقد تمكن الباحثون الألمان من
إجراء حسابات دقيقة مستخدمين مدارات هذه النجوم، لمعرفة مقدار الكتلة
المركزية المخيفة تماماً، ووجدوا أنها تبلغ 4 ملايين كتلة شمسية وأنها
محبوسة في حيز يعادل نجماً فائق الضخامة، واستنتج هؤلاء أن تمركز كثافة
كهذه ضمن هذا الحيز، لا يمكن إلا أن تكون مكاناً لثقب عملاق. من جهة أخرى
تمكن فريق الباحثين من تحديد المسافة التي تفصل شمسنا عن الثقب الأسود
المركزي، حيث إنها بلغت 27 ألف سنة ضوئية وبضع مئات المليارات من
الكيلومترات تقريباً.
الجدير بالذكر أن الثقب الأسود عبارة عن منطقة في الفضاء
تحوي كتلة كبيرة في حجم صغير تسمى “الحجم الحرج” بالنسبة
لهذه الكتلة، حيث تبدأ المادة الانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة إلى أن
تنهار تحت وطأة جاذبيتها العالية. وينتج هذا الأمر عن القوة العكسية
لانفجار النجم، حيث إن هذه القوة تضغط النجم وتجعله صغيراً جداً وذا
جاذبية فائقة وخارقة، وبالتالي فإن تركيز كتلة النجم يزداد بمعنى أن
كثافته تزداد (جراء تداخل جسيمات ذراته وانعدام الفراغ البيني بين
الجزيئات) وتصبح قوة جاذبيته قوية إلى درجة لا يمكن لأي جسم يمر بمسافة
قريبة منه أن يفلت مهما بلغت سرعته، وبالتالي يزداد كم المادة الموجودة في
الثقب الأسود. وبحسب نظرية أينشتاين (النسبية العامة) فإن الجاذبية تقوس
الفضاء الذي يسير فيه الضوء بشكل مستقيم بالنسبة للفراغ، وذلك يعني أن
الضوء ينحرف تحت تأثير هذه الجاذبية، أما الثقب الأسود فإنه يقوس الفضاء
إلى حد يمتص معه الضوء المار بجانبه بفعل الجاذبية الفائقة وهو يبدو لمن
يراقبه من الخارج كأنه منطقة من العدم لأنه لا يمكن لأية إشارة أو معلومة
أو موجة أو جسيم الإفلات من منطقة تأثيره فيبدو بذلك أسود. وقد تمكن
العلماء من معرفة وجود الثقب الأسود من خلال مراقبة بعض الإشعاعات من
الأشعة السينية التي تنطلق من المواد حين تتحطم جزيئاتها جراء اقترابها من
مجال جاذبية الثقب الأسود وسقوطها في هاويته. وللتوضيح فإن تحول الكرة
الأرضية إلى ثقب أسود يستدعي تحولها إلى كرة نصف قطرها يبلغ 0،9 سم
وكتلتها هي كتلتها الحالية نفسها، بمعنى انضغاط مادتها لجعلها من غير
فراغات بينية في ذراتها وبين جسيمات نوى ذراتها مما يجعلها صغيرة مثل كرة
منضدة في الحجم لكن وزنها الهائل يبقى على ما هو عليه. وعندها نجد أن
الفراغات الهائلة بين الجسيمات الذرية نسبة إلى حجمها الصغير تحكمها
قوانين فيزيائية لا يمكن تجاوزها أو تحطيمها في الظروف العادية. وكان أول
من استخدم مصطلح الثقب الأسود الفلكي الأمريكي جون هويلر الذي كان من
الأواخر الذين شاركوا أينشتاين في أعماله ومن الذين اشتركوا في مشروع
منهاتن لإنتاج القنبلة الذرية وقد عمل أستاذاً في جامعة بريستون ونال درجة
الدكتوراه في الفيزياء وعمره 21 عاماً فقط.
|
|