هل تجوز قراءة القرآن على الأموات
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل الكتاب على عبده نبراساً وهداً للمتقين، ولم يجعل فيه خللا ولا نقصاً، وهو الذي تكفل بحفظه ولم يدع للباطل أن يدخل عليه منذ أن أنزله على عبده الأمين إلى يوم الدين ، والصلاة والسلام على الصادق الأمين الذي أنزل الله تعالى على قلبه الفرقان ضياءاً وهداً وبشراً للمؤمنين ، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ، بعد أن كانوا في عماية عن الحق وانغماس في بحر الشهوات والشبهات، والرضوان على آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين الذين آمنوا بهذه الرسالة وجاهدوا مع نبيه بأموالهم وأنفسهم، ومن تبع هدى محمد إلى يوم الدين.
أما بعد:
لقد ورد عدة أسئلة بهذا الخصوص وهو هل تجوز قراءة القران الكريم على الأموات ؟
ولكن نريد بداية معرفة ماذا ينفع الإنسان بعد موته ؟
فقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم "قال: " إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث: صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"
وقد ورد في صحيح البخاري أن رجلاً قال لرسول الله إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها،قال: نعم"
ونجد هنا في الظاهر أن معنى آية [وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى] {النَّجم:39} تتعارض مع قوله "صلى الله عليه وسلم " :" إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث: صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو"
فيقول ابن كثير عن تفسير هذه الآية الكريمة:أي أن كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب ، فإن عليها وزرها لا يحمله أحد غير هذه النفس، ولا يحصل له من الأجر إلا ما كسب.
وليس ثم تعارض مع الآية لأن الإنسان قد حاز هذه الأمور الثلاثة فهي من أعماله فأما الأولى: وهي الصدقة فهي وقف له إلى يوم القيامة.
و الثاني: العلم الذي ينتفع به فقد قال أهل العلم أنها الشريعة وقيل كافة العلوم الدنيوية التي يقصد بها إفادة المجتمع من علمه فهي له كالوقف ولهذا نجد الرسول قال: " من سنا سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سنا سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها" فكيف بالذي يعلم إنسان العلوم الشرعية ثم يعلمها لغيره وغيره لغيره فله أجرها كاملة من غير نقص في الأجور الأخرى ولهذا يقول النبي" صلى الله عليه وسلم" في الحديث الذي رواه مسلم:" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً"
وأما الولد الصالح فإنه من صلبه ولهذا قال النبي: " أنت ومالك لأبيك"
و علق النووي على الحديث الذي رواه مسلم:" أن رجلاً قال لرسول الله إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها،قال: نعم" فقد بين أن العلماء أجمعوا على وصول الثواب الصدقة إلى الميت والدعاء وقضاء الدين، وأما أقوال الأئمة في وصول القران للميت وحصوله على الأجر والثواب:
فمذهب الإمام أبو حنيفة : فقد قال في الفقه الأكبر أن القراءة مكروهة وهو كذلك مذهب أحمد ومالك، وهناك رواية تقول أنه من الأمور المحدثة التي لم ترد في الإسلام ،ومذهب الشافعي: فقد قال أنه لا يصل شيء من قراءة القران للميت مستدلاً بقوله تعالى" [وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى] {النَّجم:39} وبحديث رسول الله السابق ذكره في مسلم " إذا مات ....." ويعلق عليه النووي أنه قول الشافعي والجمهور وهو القول المعتمد في أنه لا يصل شيء إلى الميت من القران والله أعلم، و سئل العز بن عبد السلام" رحمه الله" عن ذلك فقال أنه يصل للقارئ فقط.
وقد ثبت في الحديث، وهو حديث حسن الذي أخرجه أبو داود" استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل"
وفي الحديث الذي سنده صحيح عندما يوضع الميت في القبر يقول الذي ينزل الميت إلى القبر ": بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله"
ولهذا فعند جمهور العلماء يفتون بعدم وصول أي شيء من القرآن للميت، وقد وجدت آيات كثر تثبت وجوب الدعاء فقط لا قراءة القران منها " [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {الحشر:10}
وهنا الدعاء بالمغفرة وليس قراءة القران.
[وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ] {الطُّور:21}
كل نفس بما كسبت محاسبة عليها. والله أعلم
(ونسأل الله لنا ولكم ولجميع إخواننا الموتى المغفرة إنه سميع الدعاء
|
|