الجـــزائر عثــرت فأدركـــوها ..
فخامة رئيس الجمهورية : أنا مواطن جزائري، أتممت الأربعين سنة، لا أعاني مشاكل مادية أو مشكلة سكن ولا مظلمة أشتكيها لديك، ولا أطماع في مناصب حتى أستجديها، هذه المناصب التي اعتلاها اليوم القاصي والداني بل أصبحت اليوم جالبة للشبهة، ولا خلفيات أو انتماءات سياسية حتى أصفي حساباتها، ولا أمجاد سياسية أسعى لبنائها.
ما دفعني لكتابة هذه الرسالة إلا حبي لهذا الوطن وعشقي لكل شبر فيه، هذا الوطن الذي أعيش فيه اليوم مخيرا، وإيمانا مني بسمو رسالة التعليم التي أتشرف بانتمائي لأسرتها وصيحة، أعتقد أنها صيحة عقل، في زمن علا فيه صوت الحمقى وفاسدي الذمم وعديمي الرجولة وتكلم فيه الرويبضة.
أولا، أقول لك يا فخامة الرئيس دون نفاق أو تملق : إنني تأملت خيرا بعودتك للجزائر سنة 99، ولكن سرعان ما أصابتني الخيبة، وليس هنا المقام لأخوض في التفاصيل، ولكني أعزو ذلك لسوء تقدير مني وانفصالي عن الواقع الجزائري آنذاك وعدم إدراكي لثقل الأمانة التي وضعت أمامك.
فخامة الرئيس، إنك رجل بلغت من العمر عتيّا وإنك اليوم أقرب ما تكون إلى دار الحق وإنك ستلاقي ربك ويسألك عن هذا الوطن الذي قدر الله لك أن تكون على أعلى سلطة فيه، وإن لك مكانة في قلوب كثير من الجزائريين الذين لا ينكرون فضلك في رفع سيف الإرهاب الأعمى وآلة القتل المنظم اللَذان كانا مسلطين على رقابهم.
يا فخامة الرئيس : أقول لك كلمة حق في زمن الكذب و الرويبضة: إن الجزائر ليست بخير...
ليس هنا المجال كي أتناول تفاصيل أزمة الجزائر والتي لا تكفي لها رسالة واحدة ولا حتى مئة رسالة، لأني أصبحت مقتنعا أكثر من أي وقت مضى أن شرح أوجه وتفاصيل وأسباب أزمة الجزائر لم يعد يجدي نفعا، لأن من يستطيع أن يدرك ويستوعب أزمة الجزائر قد فعل منذ أمد، ومن تعذر عليه ذلك فلا أعتقد أن رسالتي هذه ستشرح صدره، ولكني سأحاول أن ألخص لفخامتك أزمة الجزائر في بعض الجمل القصيرة حتى أخلص إلى رجائي من فخامتكم.
يا فخامة الرئيس:
- نحن أمة تعيش حياتها تحت طائلة قرار " النفط مقابل الغذاء"، " النفط مقابل الدواء" ، " النفط مقابل الملبس " بل " النفط مقابل كل شيء "، وأضفنا شيئا جديدا جزائريا خالصا "النفط مقابل النفط "، ويموت أبناؤها غرقا هربا إلى الضفة الأخرى حيث لا يوجد نفط، لهذا فإن الوطن ليس بخير....
- بعد خمسين سنة من الاستقلال مازال هناك جزء كبير من النخب والشعب لا يؤمن أنه كان استقلالا كاملا، ومنهم من لا يؤمن بأنه كان هناك استقلالا أصلا..وبما أن بين ظهرانينا الكثيرين ممن يطرحون هذه الأسئلة فإن الجزائر ليست بخير....
- نحن شعب يعلّق ويعقّب شبابه وكهوله وشيوخه على صفحات الانترنيت بأسماء مستعارة خوفا من أن يتخطفهم رجال المخابرات ودوائر الأمن أو أن يتم تعكير صفو حياتهم أو قطع أرزاقهم إذا تكلموا عن جنرالات فرنسا ودور المخابرات أو حاولوا التشكيك أو النبش في حقيقة العشرية السوداء أو الحمراء. عندما نحرم حتى حقنا في الكلام أو أن نبدي رأيا أو انتقادا لمن يحكمنا أو من يعتقد بعضنا أنه يحكمنا ويضيق علينا، وعندما يوجه مواطن رسالة إلى رئيسه دون أن يذكر اسمه، بينما يد الأمن والمخابرات مغلولة أمام المجرمين واللصوص وإرهابيي الشوارع وتجار السموم ومافيا المال والأعمال، فإن الجزائر ليست بخير...
- عندما تستجدي دولة شعبها كي يشارك في الانتخابات فهذا يعني أن هناك أزمة ثقة بين الحاكم والرعية يتوجب استردادها، ولكن عندما يهدد رئيس الحكومة الشعب بعودة الدماء والكلاش إن لم ينتخب فإن الوطن حتما ليس بخير....
- عندما تخاطب الشعب يا فخامة الرئيس في لحظة تقطعت السبل بعشرات الآلاف من العائلات من آثار الثلوج والأمطار ولا تذكرهم بكلمة مواساة فإن ذلك يعني أن بطانتك أخفت عنك واقع هذه الأمة. وعندما يُطلب من الشعب أن ينتخب بينما هو لا يستطيع أن يخرج من بيته لقضاء حاجته الأساسية فهذا لعمري دليل أن الوطن ليس بخير.
أعتقد أن النقاط السابقة تلخص من وجهة نظري المتواضعة أزمة الجزائر ويمكن قراءة جميع تفاصيل الأزمة في ثناياها.
فخامة الرئيس : لن أطلب منك أن تحل جميع هذه الأزمات ولا أعتقد أن البرلمان القادم قادر على أن يحل ولو أزمة واحدة، بل أعتقد أنه سيزيدها أزمات أخرى. ولا أريد أن أثقل تفكيري بدهاليز السياسية وحساباتها فليس هذا من شأني ولا مكاني، ولكني أيضا لا أعتقد أن برلمانا يترشح له مدَاحات الكابريهات ومغنيّو الملاهي الليلية ومهرّجو التلفزيون وأصحاب الشكارة والبقارة يستطيع أن يؤسس لدولة الحق والقانون. غير أنه يا فخامة الرئيس إذا كان قدرنا أن نعيش جميع هذه الأزمات ونبقى على قيد الحياة برحمة الله أولا وبفضل النفط ثانيا، وقدرنا أن يسرق منا الماضي والحاضر فرجاءً لا تسرقوا منا المستقبل.
يا فخامة الرئيس : إن ما يحدث في التعليم بجميع مستوياته منذ ما يربو عن عقد ونصف، أو بالأحرى منذ أن بدأنا نسمع ببن بوزيد وبلجنة بن زاغو، أمر لا يمكن السكوت عنه ولو كلفنا ذلك السجون والمشانق، وإن كنت لا تدري فأقول لفخامتك أن التعليم لم يعد تعليما بل هدما وتجهيلا منظما لأجيال بكاملها وإفسادا للنسل، وأصبح أساتذة الجامعة شهداء زور على شهادات علمية لا يملك أصحابها إلا أسمها، بل إن هذه الأعداد المهولة التي ترد الجامعة أصبحنا نصدرهم جهلة أميين كما أتينا.
وهكذا نجح وزير التربية الحالي، بعد أن أُطيح بأحد أنبل وأقدر رجال الجزائر من الوزارة، في هدم ما بنته الجزائر عبر عقود وأخرج لنا جيلا لم تشهد له الجزائر مثيلا على الرغم من الأموال الطائلة التي يتم صرفها في هذا القطاع وبشكل غير مسبوق. ولقد غزا جامعاتنا اليوم جيل من الأساتذة لا يحملون من شهاداتهم إلا الاسم، تعلموا في زمن الرداءة وتشبعوا بقيمٍ لا تمت بصلة للتقاليد الجامعية والعلمية، إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
لقد قلت يا فخامة الرئيس في خطابك "أن أمة تبني الجامعات لا خوف عليها". وأنا أضم صوتي إلى صوتك وأشد على يدك، ولكني أضيف أن الجامعات ليست مجرد بنايات إسمنتية، ولا تقاس بعدد الطلبة الذين يرتادونها أو عدد الأساتذة الذين يعلمون فيها، وأنا على يقين أنك تدرك ذلك أكثر مني.
إن الجيل الذي تكونه وتخرجه مدارسنا وجامعاتنا اليوم نشْء لا رجاء منه ولن يستطيع أن يحمل الأمانة و يحافظ على وطن، فما بالك أن يبني وطنا دون مقدرات أو ثروات.
وأذكّرك يا فخامة الرئيس، وأنت المتذوق للشعر، ببيت لأمير الشعراء:
العلم يبنــي بيوتــــا لا عمــاد لها والجهـــل يهـــدم بيوت العز والكرم
يا فخامة الرئيس، أصدقك القول : لن يخلّدك في ذاكرتي الشخصية على الأقل الجامع الأعظم الذي تزمع الجزائر بناءه، لأنني لا أعتقد أن أبناء الجزائر بحاجة لهذا النصب، ولكني على يقين أنك ستخلّد في ذاكرة الجيل الحالي والأجيال القادمة إذا ساهمتم في إعادة عافية وبريق المنظومة التربوية ومكانة الجامعة وهيبة المعلم والأستاذ، ومهدت الطريق للأجيال القادمة وما أحوجها للعلم في زمن العلم.
يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر"، وأنا أقول لك يا فخامة الرئيس وأنا لك ناصح أمين : إن الجزائر قد عثرت فأدركوها...
أخيرا، لا أريد أن أكون متنبيا، أو بشيرا أو نذيرا، على قول المؤرخ والمفكر أبو القاسم سعد لله، ومع ذلك أقول أنني لا أعرف يا فخامة الرئيس ماذا سيكون عليه وضع الجزائر بعد الانتخابات أو بعد عشرين سنة، ولكني أدرك أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه فإن جزائر ما بعد النفط ستكون صومالا آخر، إلاَ أن يرعاها الله برعايته وهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين....
وفقك الله إلى ما فيه خير الوطن
اللــــــهم قد بلــغت فأشـــهد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مــــــــــواطن جــــــــزائري