محمد الساحلي @ 16 نوفمبر، 2011
حين تجرب، غير ما مرة، البحث بالعربية في الإنترنت ولا تجد ما يشبع حاجتك، تعرف بأن المحتوى العربي على الإنترنت يعاني نقصا فضيعا. لا تحتاج إلى جوجل أو غيرها لإخبارك بأن نسبة 1% التي يمثلها المحتوى العربي من مجموع المحتوى على الإنترنت، نسبة ضئيلة جدا. أنت تدرك ذلك منذ زمن، كما تدرك أنه قد مرت سنوات منذ سمعت أول مرة بأن المحتوى العربي على الإنترنت بالكاد يمثل تلك النسبة الهزيلة، ولا شيء تغير طيلة تلك السنوات. الكثير من الحبر سال حول الموضوع، وكثير من المؤتمرات انعقدت دون فائدة. المأساة أنك لو تتبعت تفاصيل تلك المؤتمرات التي تتحدث عن أزمة المحتوى العربي، لوجدت كل المتحدثين فيها يرطنون حول الموضوع بالانجليزية. ولا شك، أنك لو حاولت تبادل الحديث مع أحدهم، ولو في الشارع في موضوع عام، لما وجدته قادرا على تركيب جملة عربية خالصة لا تدخلها كلمات إنجليزية -أو فرنسية- بمناسبة أو دونها.
تلك هي المشكلة الحقيقية، إنها أزمة هوية وليست أساسا مشكلة محتوى.
الإنترنت -فيما يخص المحتوى- مجرد وسيط لا أكثر، مثله مثل الكتاب والتلفزيون. إذا كان الإنتاج العربي للكتب لا يصل إلى 1.1% من الإنتاج العالمي، فمن البديهي أن يكون الأمر مشابها على الإنترنت. المشكلة الحقيقية ليست نقص المحتوى على الإنترنت، بل هي التخلف العربي عموما.
لا يمكن تجاهل أن نقص المحتوى العربي على الإنترنت أزمة تتطلب حلا مستعجلا، لكننا لن نستطع تطبيق أي حل ما لم نرتب أولوياتنا أولا، ما لم نحل المشكلة الحقيقية أولا: مشكلة الهوية.
ربما أغلبكم يعرف موقع Yamli الذي يتيح لمن لا يملك لوحة مفاتيح عربية تحويل الكلمات العربية المكتوبة بحروف إنجليزية إلى حروف عربية. مؤخرا أعلن الموقع إحصائية لافتة جدا للنظر. تقول الإحصائية بأنه طيلة الأربع سنوات من عمر الموقع، تم استخدام الخدمة لكتابة.. ملياري كلمة. نعم، 2 مليار. يبدو ظاهريا كأن هذا المشروع عمل عبقري لمساعدة من لا يملك لوحة مفاتيح عربية للكتابة بالعربية. لا، الحقيقة أنه -كما كل الحلول العربية- مجرد حل ترقيعي لا غير، يؤزم الأزمة أكثر مما يحلها.
لو نظرنا إلى قائمة الدول الأكثر استخداما لذلك الموقع سنجد: السعودية، تونس، مصر، لبنان، المغرب والأردن. هل ترون المشكلة؟ هذه كلها دول عربية، ونحن الآن في العام 2011، حيث لم تعد ثمة أي مشكلة في الحصول على لوحة مفاتيح عربية. كل أنظمة التشغيل الرئيسية حاليا تأتي تلقائيا بدعم العربية، وسعر لوحة المفاتيح أرخص حتى من الفأرة. فلماذا يصر الكثيرون على كتابة العربية بحروف غير عربية، ويتبجحون: سوري، لا نملك لوحة مفاتيح عربية.
أتذكر أنني، في بداية دخول الإنترنت المغرب، كنت أضيع يوميا ما يزيد عن الساعة والنصف في الطريق ذهابا إلى مقهى إنترنت بعيد جدا عن الحي. ليس لأن عدد مقاهي الإنترنت كان قليلا، بل لأنه الوحيد الذي كان يوفر لوحة مفاتيح عربية ونسخة من ويندوز 98 تدعم الكتابة بالعربية. في الحقيقة كان في ذلك المقهى فقط حاسب واحد يدعم العربية، لذلك كنت أمضي أحيانا أكثر من الساعة انتظارا لاستخدام ذلك الكمبيوتر بالضبط. كان يمكنني ببساطة أن أفعل كما الآخرون، والعذر قائم: كتابة العربية بحروف فرنسية. لكني لم أفعل.
القضية ليست لوحة مفاتيح عربية أو دعم النظام للعربية، إنها مسألة هوية وإحساس بالانتماء.
لو أردت العمل في أي دولة من العالم، في وظيفة غير الوظائف المهمشة، عليك أولا أن تتقن لغة ذلك البلد، إلا الدول العربية، فهي تستقبل كل من هب ودب، وتجبر الآخرين على أن يعملوا تحت إمرته بلغته هو.
كندا تحتاج إلى الكثير من أصحاب الكفاءات، لكنها لن توظف إلا من يتحدث الفرنسية أو الإنجليزية. ألمانيا تحتاج أيضا للكثير، لكنك لن تخط حدودها قبل إتقان الألمانية. فرنسا تدفع للجامعات المغربية لتدريس مناهج معينة وتمنح الطلاب منحا كاملة للدراسة في فرنسا، لأنها تحتاج إلى أصحاب الكفاءات، لكنها قبل ذلك تزرع فيهم الثقافة الفرانكفونية. لكن في الجانب الآخر، يستقبل المغرب الفرنسيين بأذرع مفتوحة لإدارة شركات مغربية بالفرنسية. دول الخليج تحتاج للكثير من الكفاءات الموجود أصلا في الدول العربية، لكنها تتجاهلها وتأتي بكفاءات من بريطانيا وأمريكا وتمنحهم حق فرض الانجليزية كلغة وحيدة للتخاطب معهم، في أماكن العمل وفي الحياة العامة.
تلك هي المشكلة الأكبر.
لا يمكن إنكار أزمة نقص المحتوى العربي على الإنترنت، لكننا لن نحل تلك الأزمة بالمؤتمرات والمقالات، بل إننا لا نحتاج أصلا إلى حلها. هي ستحل من تلقاء نفسها يوم نقدر فعلا هويتنا العربية ويوم نحس بانتمائنا الحقيقي.
|
|