الحب هو القيمة العليا التي قام عليها الكون ولأجله جرت أنهاره وثبتت أرضه وسماؤه فلأجل الحب خلق الله الكون ومنَّ عليه حدوثاً ولولا الحب لكنّا نرزح في العدم وفي ظلمات النسيان... (كنتُ كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرف)، راجع البحار: ج 87، الباب 12، ح 6.
وقد ثبت في الحكمة أن العلة الغائية للأشياء هي أول ما يخبر عند الفاعل والآخر في تحقق الوجود وبذلك يكون للغايات الدور الأكبر في فاعلية الفاعل ومؤثرية المؤثر... فللحب تجلت مظاهر التكوين وآيات العظمة فيه... وللحب صدر التشريع وبُعث الأنبياء والرسل وأُنزلت الكتب والأديان... (وهل الدين إلاّ الحب). مستدرك الوسائل : ج 12، ص 219، باب 14، ح 5.
للحب تجري قافلة الإنسانية نحو الكمالات والفضائل معنويّها وماديّها... فلولا الحب لما تحققت المعرفة ولولا المعرفة لما تحققت طاعة ولا إخلاص ولا عمل. (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) سورة الذاريات الآية 56.
وأيضاً فإن الحب هو غاية الحياة وعلة الوجود بقاءً ودواماً، فإن الأسرة يشكلها الحب ويشدها العطف إلى إنجاب الأولاد والرحمة بهم والشفقة عليهم والحرص على مستقبلهم... ولولا الحب لكانت الأنانية المقيتة تحكم الروابط الإنسانية فتخرب البيوت وتفكك الأسر... وحب التاجر لعمله والفلاح لأرضه والجندي لوطنه والطالب لعلمه والرئيس لشعبه هو الذي تدور عليه رحى الحياة وسعادة البشر وهو الكفيل بحياة وديعة يسودها الآمن والتفاهم والإخلاص والعيش المشترك الكريم.
بل ويعد الحب هو معيار السعادة والشقاء... فبالحب ينمو الإنسان ويكتمل عقله وروحه وتتهذب طباعه وتتفجر مواهبه وبالحب يعمل ويبني ويتقدم وبذلك يضمن دنياه وآخرته... لأن السعادة قانون مودع في هذا الكون مع منظومة القوانين الإلهية الأخرى فهي لا تأتي من العبث ولا في الخروج عن القواعد والضوابط الكونية العامة... وإنما تأتي في مجاراة السنن التكوينية والتشريعية والتلاءم معها بصدق وواقعية وحتى يكون الإنسان مواكباً لمسيرة الكون ومنسجماً مع سننه وقوانينه لابد أن يبني حياته على الحب ويجعل الحب القيمة العليا التي تحكم على الأشياء وتقوّم مسيرة حياته...
ومن هنا أراد الله سبحانه للبشر أن يتمسك بالحب ويعيش للحب ولخّص كمال الإنسان وتكامله روحاً وجسداً في الحب... قال تعالى: (الذين آمنوا أشد حباً لله)(1). بل وتلخصت غاية الكون وهدفية الوجود بكل أعضائه وأقسامه في محبتهم (عليهم الصلاة والسلام) فقال سبحانه في الحديث القدسي: (إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء) مقطوعة من حديث الكساء... راجع من فقه الزهراء للإمام الشيرازي تجد سلسلة سند الحديث مع ذكر مصادره.
فهم وعاء مشيئة الله سبحانه ومظهر إرادته ومركز حبه ومحبته والهدف الذي من أجله قام الوجود ودارت عليه حركته بصيغتها الأربع - الدائرية والدورية والعمودية والأفقية - وكما أن الهدف هو دافع الحركة - العمودية والأفقية - وغايتها المقصودة...
فإن المحور هو مركز الحركة الدورية الدائرية الذي يعطيها حركتها وهدفيتها... وفاطمة (عليها أفضل الصلاة والسلام) هي محور الخمسة... ومركز البيت الذي لأجله خلق الكون وابتدأت مسيرته... (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) (حديث الكساء) فهي محور هذه الحركة الكونية ومركز العمود الذي انتشرت عليه خيمة الوجود...
فبسببها (عليها الصلاة والسلام) قام البيت وترعرع أبناؤه وشعشعت آياته وعمّت خيراته وبركاته... ولولاها لم تكتمل أهداف النبوة والإمامة في سلسلتها الطويلة... (يا محمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما).
ومن هنا كانت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) الحقيقة المشتركة بين جميع الرسالات والغاية المقصودة لجميع الرسل والأنبياء... (هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). البحار: ج 43، ح 105. والقرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأممهم من آدم فمن دونه حتى خاتم الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام).
وما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتى أقرّوا بفضل الصديقة الكبرى ومحبتها وقد ورد عن الصادق (عليه السلام): (ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقرّ بفضلها ومحبتها). راجع بهجة قلب المصطفى ص 86.
ومن هنا صارت (عليها السلام) معيار الإخلاص وميزان الأعمال وباب النجاة والحد الفاصل بين الإيمان والنفاق... فقد روي: (أن حبها إيمان وبغضها نفاق) شرح الحديدي : ج 16، ص 282. وفي رواية في معنى حيّ على خير العمل: (أن خير العمل برُّ فاطمة وولدها). توحيد الصدق : ص 241.
فإن الله سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها... ومن آذاها فقد آذى الله ومن أرضاها فقد أرضى الله، راجع نظم درى السمطين : ص 178 وغيره.
وفي حديث طويل عن الله عز وجل: (يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذّب محبيك ومحبي عترتك بالنار). سفينة النجاة : ح 2، ص 375.
وعن سلمان الفارسي قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (يا سلمان من أحب فاطمة بنتي فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار... يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن القبر والموت، والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه رضي الله عنه ومن غضَبَتْ عليه غضبتُ عليه ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه...
يا سلمان: ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً وويل لمن يظلم ذرّيتها وشيعتها) فرائد السمطين : ج 2 ص 67.
قال أبو جعفر (عليه السلام) : والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق إلى آخر الحديث. البحار : ج 43 و 65 و 101.
وبعد كل هذا الفضل... لينظر المؤمن أين موقعه وفي أي اتجاه يضع قدمه ويخطو خطواته؟ قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)(2).