ضبط غريزة حب التملّك عند الأطفال
زين الله في نفوس البشر من مختلف الطيبات التى أحلها لهم، فقال سبحانه مبيناً ذلك:" زُيّنَ للناس حبُّ الشهواتِ من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاعُ الحياةِ الدنيَا والله ُعنده ُحسنُ المئابِ"مما يدل على أن حب هذه الشهوات والملذات زين في النفوس وركّبَ فيها، ولا مجال لإنتزاعه منها، وتلعب البيئة وأساليب التربية دوراً كبيراً في تقوية حب التملك وتنميته أو تضعيفه وتخفيف حدته.
وهذا الميل الفطرى في نفس الإنسان إن لم يهذّب ويحد بحدود واضحة أصبح مؤذناً بالخطر والإنحراف، فلربما تمنى الإنسان ملك كل شىء، وانطلق في ذلك يبتلع من كل صوب حقاً وباطلاً دون ما عقل أو روية، ولهذا المعنى يشير النبى ص محذراً من الإسترسال وراء هذه الرغبة النفسية الجامحة، فيقول:
" لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" ، فالحديث يؤكد أنّ الإندفاع وراء محاولة إشباع هذه الرغبة لن يصل إلى إشباعها حقيقةً، ولكن ستظل هذه الرغبة تزيد وتتنامى داخل النفس إلى أن يصل ابن آدم إلى قبره فيمتلىء جوفه بالتراب.
ومدار التهذيب لهذه الغريزة الفطرية يقوم على التربية الأسرية الناجحة القائمة على القدوة الحسنة والتلقين الجيد نظرياً وعملياً، فالولد الصغير في بداية نشأته، خاصة دون السادسة لا يميز بين ما هو له وما هو لغيره، فتراه يندفع يطلب كل ما ترغب فيه نفسه، فيأخذ لعبة هذا، و يطالب بثوب أخيه زاعماً أنه ثوبه، وربما وجد قطعة نقدية على الأرض فأخذها ونسبها لنفسه، فلا يستطيع الطفل بدون التربية والتوجيه أن يضبط رغباته الجامحة نحو امتلاك الأشياء.
وذلك بالتركيز على الجوانب الآتية:
- يبدأ الوالدان في تأصيل مبدأ تحديد الملكيات لدى طفلهما بتحديد ملكياته أولاً ، ليعرف ما له من أشياء وما لغيره من ممتلكات فيحترمها ولا يعتدى عليها،ويحفّظ حديث النبى :" لا يحل لمسلم أن يأخذ متاع أخيه بغير رضاه،وإن كان قضيباً من أراك" أو كما قال . كما يمنح الوالدان طفلهما صلاحيات التصرف في أشيائه الخاصة كيف يشاء، ويفضل أن تكون تلك الممتلكات في حجرته الخاصة أو في خزانة تخصه وحده.
فإن حدث بعد ذلك أن تعدى أحد إخوته على ممتلكاته، وحاول أن يأخذ منها شيئاً، فبرز له الولد ومنعه، فإن ذلك التصرف ورد الفعل يكون دليلاً على أنه قد علم وفهم حدود ممتلكاته الخاصة، وأن ذلك يعنى أنه ليس لأحد أن يأخذ منها شيئاً إلا بإذنه وموافقته، فإن حاول هو نفسه أن يتعدى على خصوصيات أحد إخوته فمنع، كان ذلك الموقف درساً عملياً يدرك منه الطفل حدود ممتلكات غيره أيضاً، ويعلم أنه ليس له حق في ممتلكات غيره .
ويساعد في تأصيل هذا المبدأ ألا تكون ألعاب الأبناء مشاعة لا يعرف كل منهم ما له وما ليس له، ولكن كلٌ يعرف لعبته، ويشتركون جميعاً في اللعب بها مع الإحتفاظ لكل منهم بملكية لعبته.
- لابد من إشباع رغبة الولد في تملك النقود، بأن يعطيه المصروف اليومى أو الأسبوعى، على أن يوجهه لأفضل طرق الإنفاق، ويفسح له في شراء بعض ما يحب من ألعاب وحلوى أو غير ذلك، فإن ذلك يعنى الكثير من القيم الإيجابية بالنسبة له، من الشعور بالملكية الخاصة والقدرة على التصرف في حدودها، إلى تنمية ملكات التدبير والتوفير والإدخار والكرم والعطاء للغير، كما أن ذلك من شأنه أن يجعل الطفل لا يتطلع لممتلكات الآخرين.
- لا بأس أن يعطى الولد فرصة للإدخار، وجمع بعض المال، ولكن نوضح له الفرق بين الإدخار المحمود والشح المذموم، ثم يسمح له باستغلال بعض ما جمع في شراء ممتلكات جديدة، فيشبع بذلك رغبته الفطرية في حب التملك.
- توضيح المعنى الحقيقى للغنى وإبرازه في ذهن الولد مع التلقين والتكرار، ذلك المعنى الذى وضّحه النبى في حديثه :" ليس الغنى عن كثرة العرض. إنما الغنى غنى النفس"- رواه مسلم وذلك أن المندفع وراء حب التملك بدون عقل ولا روية، لن يشعر بالغنى والإكتفاء مهما جمع، بل سيظل يطلب المزيد بلا حدود فهو في حقيقة الأمر فقير مع كثرة ما يملك، أما من رضى بما قسمه الله له عاملاً وآخذاً بأسباب الرزق في غير تكلف وحرص، فإن قلبه يمتلىء بالغنى والإطمئنان.
- وأخيراً.. نؤكد أن غرس الصورة الصحيحة للملكية، مثلها مثل أ ي قيمة طيبة يعتمد على توفر القدوة الحسنة الثابتة على المبدأ الذى تدعو إليه، أما م ناظرى الطفل حتى يعيها عقله وتتشربها نفسه، ومن ثمّ يتخلّق بها ويثبت عليها طوال حياته.
|
|