العقوق الذي تعيشه الأمة صوره كثيرة، ومن أبرز صور العقوق:
عقوق الابن لأبيه ولأمه، اكتظ الحرم في الطواف بالحجاج والشمس حارة، والناس واقفون عند الكعبة المشرفة يسألون المولى، وبين الألوف المؤلفة حاج من اليمن ، يحمل أمه على كتفيه، تصبب عرقه، واضطربت نفسه، وكلَّ متنه وهو يطوف بها لأنها مقعدة، ويرى أن من الواجب عليه أن يكافئ الجميل، فهذه العجوز المقعدة الجالسةعلى أكتافه كان في فترة من الفترات جنيناً بين أحشائها، وكان طفلاً في بطنها، أرضعته، وضمته وقبلته، سهرت لينام، وجاعت ليشبع، وضمئت ليروى، فظن أنه كافأها حقاً بحق، ومر هذا الحاج وابن عمر الصحابي الجليل واقف عند المقام، فقال: السلام عليك يا ابن عمر ! أنا الابن وهذه الوالدة، أترى أني كافأتها؟ قال ابن عمر : والذي نفسي بيده ولا بزفرة من زفراتها، ولا بزفرة واحدة.
لا يأتي هذا التعب والعرق والجهد والإعياء ولا بزفرة واحدة زفرتها في ساعة الولادة.
هذه صورة واحدة من صور المعاناة التي يقدمها الوالد وتقدمها الوالدة لهذا الإنسان.......
صورة من عقوق الوالدين
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وإذا بشيخ كبير يدلف عليهم يتكئ على عصا، احدودب ظهره ورق عظمه واشتعل رأسه شيباً، وقف على رأس المعلم الجليل يشكو إليه مظلمة، فمن ظلمه؟ أيهودي ظلمه؟ أنصراني اعتدى عليه؟ لا. إنه ابنه، يشكو ودموعه تهراق من رأس لحيته، يقول: يا رسول الله! ابني ظلمني، قال: وماذا؟ قال: ربيته يا رسول الله! حتى أصبح كبيراً، جعت ليشبع، وظمئت ليروى، وتعبت ليرتاح، فلما اشتد ساعده تغمط حقي وأغلظ لي ولوى يدي، قال عليه الصلاة والسلام: وهل قلت فيه شعراً؛ لأن العرب أمة شاعرة تشكو شجونها في أبيات وتخرج مكنونها في عبارات، قال: نعم يا رسول الله! قال: ماذا قلت؟ قال: قلت له:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململ
يقول: إذا زارك المرض وأتتك الحمى أيها الابن! فكأني أنا المريض والمحموم لا أنام كما تنام أنت.
كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وبكى أصحابه وقال: علي بابنه، فذهب الصحابة فقادوا ابنه، فإذا هو في جسم البغل، فأوقفه أمامه وأخذه بتلابيب ثوبه، وهزه المعصوم وهو يبكي ويقول: { أنت ومالك لأبيك } أي أنك شبه الرقيق لهذا الوالد يبيعك ويشتريك، وما أنت إلا من متاعه ودنياه، وهو من أسباب إيجادك بعد إيجاد الله. هذا موقف الوالد والولد.
إنَّ هذه الصورة تتكرر في اليوم مرات من أناس شبوا عن الطوق، قويت سواعدهم، واشتدت كواهلهم وكبرت جماجمهم؛ فعقوا ربهم أولاً، فما عرفوا بيوته وأعرضوا عن كتابه، وعن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم عقوا الوالدين في وقت الضعف، وليس الوالد أو الوالدة في وقت قوة لكن في أرذل العمر.
أذهب الوالد شبابه، وفتوته وصحته وقوته من أجل هذا الشاب، فلما أصبح ثمرة الحياة أمامه وأصبح مستقبله يتمثل في هذا الشاب عقه، فما ترى إلا الشيوخ وهم يبكون، وكم رأينا من طاعن في السن يدب على الأرض دبيباً يشكو ابنه، ونحن نرفع شكواه إلى الواحد الأحد الذي ينصف سبحانه ولا تسقط عنده مظلمة.
سبحانه لا اله الا هو
|
|