والصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيبنا و شفيعنا و إمامنا و مولانا محمد عليه أزكى الصلاة و أبهى السلام
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
أما بعد
جزر هاواي، إنها أحد أكثر الأماكن عزلة على الأرض، تبعد خمسة وعشرين ميلاً عن أقرب يابسة، هنا انتفضت الحمم من مخبئها البركاني، عندما تصل الصخور الذائبة إلى البحر ينفجر الغاز المحصور، ويثور البخار بينما يبرد بشكل سريع، وهكذا تستمر الجزيرة بالنمو، اليوم سنسافر إلى جزيرة هاواي لنكتشف عالمَ ما تحت البحار، سنغامر في أنفاق وكهوف مليئة بالحمم وندرس بعض أسماكها الفريدة، ونرى أيضاً عالم الحيد البحري السريع التغير، لا يمكن إيجاد أنواع عدة من السمك ومن اللافقاريات إلا في هذا الحيد، وأخيراً سنزور حيوانات مميزة كسلاحف البحر والدلافين والحيتان، هذه تضاريس "كاواي" الجزيرة الشمالية في سلسلة جزر هاواي المميزة، كاواي هي أقدم جزيرة في الأرخبيل، تتراكم البراكين فيها منذ أكثر من خمسة ملايين سنة، جزيرة هاواي فيها أطول سلسلة جبال في العالم، المسافة من قمة الجبل الثلجية إلى أسفل البحر تبلغ أكثر من خسمة أميال، يمتد الأرخبيل على طول ألف وستمائة ميل في أعماق المحيط الهادئ.
وهناك أكثر من ستة آلاف نوع من النباتات والحيوانات لا تجدونها إلا في هاواي، وسبب هذا التنوع المميز يعود إلى عزلة هذه الجزر، فهي تبتعد آلاف الأميال عن أقرب قارة، ولا يبدو هذا التنوع واضحاً في مكان أكثر في البحر، نزحت الحيوانات البحرية إلى هنا بواسطة تيارات المحيط، وقد جعل الله لها التزاوج سبباً لتكاثر عدد كبير من الأنواع المستوطنة، أكثر من ثلاثين في المئة من أنواع سمك "هاواي" لا نجدها في مكان آخر، في السياق الجيولوجي لا يزال الحيد البحري لهاواي حديثاً، وقد جعل الله - تعالى - قاعدة للحيد والحياة البحرية حوله، في لحظة يمكن تدمير الحيد البحري بسبب الحمم وهكذا تبدأ رحلة التجديد،
الحيد البحري جزء مهم من تشكيل الجزيرة، تأتي العوالق والمخلوقات الأخرى من المحيط المجاور وتستوطن هنا، تجذب الحيوانات الصغيرة المخلوقات المفترسة وهكذا يخلق الله تعالى نظاماً بيئياً جديداً، متنقلة من قمم البركان تمر الحمم بتحولات قوية قبل أن تصل إلى البحر، ينفجر الغاز المحصور ويظهر البخار بينما الحمم الساخنة ذات الألفي درجة تبرد بسرعة في المياه ذات الخمس والسبعين درجة، تنتقل الجزيرة على صفائح تتخطى مراكز ساخنة جداً في قشرة الأرض، يندفع لب الأرض الذائب نحو أعماق البحر، ويتكاثر إلى أن يشاء الله، بينما تتوجه الحمم نحو البحر تبرد الطبقة الخارجية أولاً بينما تستمر الأرض الذائبة بالسيلان مثل السائل في الأنبوب، وتحت سطح المياه عند نهاية طريق الحمم نجد أنفاقاً وكهوفاً يغمرها الظلام، هذه الكهوف الواسعة مليئة الآن بالمياه وتسببت حركات الموج عبر القرون في تحويل الطبقات الداخلية من الحمم الجامدة إلى جمود وفتات وفي النهاية إلى حبيبات رمل سوداء، غير أن الأنفاق والأنابيب الخارجية بقيت على حالها، خط هاواي الساحلي في عمق البحار مليء بكهوف غامضة.
جزيرة هاواي هي أكبر جزر الأرخبيل، في أقصى الجنوب على ساحل "كونا" الجنوبي الغربي ننضم إلى مركب للغوص، أنهار شاسعة من الحمم السوداء تجري إلى المياه، هنا يبدأ عالم هاواي تحت البحار، لسكان هاواي اعتقادات وأساطير خرافية عن أهل السكان والمخلوقات التي تشاركهم الحياة، إحدى أساطير سكان هاواي المرجان يتحول إلى ديدان والتي تتحول بدورها إلى أسماك..!!
الأنقليس أو "بوهي باتا" يقول سكان هاواي حيث يعيش الأنقليس تجد القليل من الأسماك الصغيرة، الأنقليس يشبه مفترساً مخيفاً، لكنه خجول وخائف ويعيش حياة سرية، بفمه المفتوح وأسنانه الحادة يبدو الأنقليس مثل الأفعى خطراً، لكنه في الحقيقة يبقي فمه مفتوحاً ليتنفس، يبتلغ المياه ويخرجها من خياشيمه، للأخطبوط دماغ معقد بالنسبة إلى حيوان لا فقاري هو ذكي جداً ربما بذكاء الهر كما يعتقد بعض العلماء، يظهر هذا النوع طريقتين في التنقل: الزحف في الأعماق وتحريك أذرعه كأقدام، عند الإنزعاج أو الخوف يضطر إلى التحرك بسرعة أكبر، بتنفيسه للمياه بقوة يطير فوق سطح البحر، لهذا الشفنين وهو يبلغ عشر أقدام غيوم العوالق التي جذبتها أنوار مركبنا وهي حساء شهي، إنه يطير بشكل دائري ويصطاد العوالق بفمه الكبير.
سكان هاواي القدامى يدعون الشفنين لوبي وهي كلمة تمثل الحرباء أيضاً، بالنسبة إلى سكان هاواي الأوائل البركان فقط هو أقوى من القرش، القرش كالبركان يمثل قوة الدمار والحياة الجديدة وفق اعتقادات سكان هاواي، في كهوف الجزيرة وأنفاق الحمم تستريح القروش البيضاء بعد ليلة من الصيد، تخاض المعارك البارزة بين النار والمياه حيثما وجد بركان قرب بحر، نحتت الحمم الكهوف الشاسعة تحت المياه، كانت في الماضي أنهاراً كبيرة من الصخور الذائبة، جدران هذه الكهوف مسكونة من قبل بعض المخلوقات البحرية، القريدس والسرطان والقشريات تبحث عن لقمة العيش في هذه الكهوف، يتسلق سرطان الناسك الجدار للبحث عن الطعام مسلحاً بمخالب حادة، يحمل هذا السرطان الأسفنج على ظهره للتمويه والاختباء من خطر الإفتراس، تنام السمكة الببغائية في واقٍ صنعته بنفسها من اللعاب، يخبيء المخاط رائحة السمكة الببغائية من المفترسات كالأنقليس، صدفة مغلفة بغطاء شوكي على هيكلها الجميل، تجول السمكة المنتفخة ذات العينين الجاحظتين عند مدخل الكهوف وينزوي أنقليس كبير في السقوف محاطاً بالقريدس للاختباء، تستريح أسماك كهوف الحمم من بحر هاواي الهائج.
الحيد البحري لهاواي مثال مميز عن قدرة الله - عز وجل - بعد ثوران البركان بقليل يبدأ الاستعمار من جديد وتستمر الحياة إلى أن يشاء الله تعالى، الحمم ليست عامل القتل الوحيد في الحيد البحري، لنجم البحر شهية كبيرة، فهو يزحف ببطء على طول الحيد ويهضم الدولب الحيدي في طيات معدته المقلوبة، يحمل شوكه سماً يسبب لمفترسه أو للغطاس إنزعاجاً كبيراً، في عزلة هاواي الكبيرة هناك أكثر من مئة نوع من الأسماك ولا نجدها في أي مكان آخر من العالم، تبدأ سمكة "أنبيا" ذات اللونين حياتها كأنثى ومع الحاجة تتحول بعض الإناث إلى ذكور بقدرة الله سبحانه، ويوجد أيضاً في بحر هاواي أسماك غريبة من حيث لونها وشكلها، سمكة الفراشة تتنقل بكثرة وتأكل الطحالب الصغيرة، سمكة الضفدع سيدة التنكر هي صيادة كمين تنتظر عبور السمك الغافل.
إضافة إلى كونها تغذي الحيوانات البحرية الصغيرة تعتبر هاواي مركز استراحة للحيوانات المهاجرة، واحة واسعة في المحيط الهادئ، هاواي هي مركز استراحة في هذا المحيط، في أشهر الشتاء تأتي الحيتان الحدباء من المحيط الهادئ الشمالي إلى هنا كي تتزاوج وترعى صغارها، هجرة الحيتان إلى هاواي طويلة من حيث المسافة والوقت إنها تسافر آلاف الأميال من مياه ألاسكا وكولومبيا البريطانية الشمالية الباردة، تنمو الحيتان الصغيرة في مياه الجزر الدافئة والهادئة نسبياً، وهناك أنواع أخرى من الحيتان والدلافين تسكن هذه الجزيرة.
الحيتان الحدباء والدلافين هما نوعان فقط من الحيتان مهاجران ويتخذان من الجزيرة مسكناً لهما، تجول السلاحف البحرية حول الحيد البحري على الرغم من أنها خطرة وتتمكن السلاحف البحرية من النمو في مياه هاواي بفضل الله تعالى، يمكن إيجادها وهي تستريح في القعر أو تحت سلاسل الصخور، ولأنها لا تستطيع تنظيف قوقعتها تعتمد على جاراتها الجائعة لإخلاء قوقعتها من الطحالب والطفيليات.
لقد مر عالم البحار في جزر هاواي بمرحلة دقيقة، بدأ إرتفاع عدد السكان والطلب الكبير للسمك يؤثران في النظام البيئي البحري، وتعرضت أنواع عدة من النباتات والحيوانات التي تنفرد بها هاواي للخطر والإنقراض بسبب استقرار الإنسان، تحت المياه أشراك السمك وشباكها تصبح فارغة بينما المخازن في تناقص.
وعلى الرغم من أن هذه البحار تقاوم أكثر العوامل الطبيعية ضراوة إلا أنه يبقى أن نرى إن كانت تستطيع مقاومة أكثر الأحداث المؤذية ألا وهي أنشطة الإنسان المتهورة
|
|