ما حكاية هذا الرجل؟ كلما ذهبت الى المقهى الذي أرتاده مع أصدقائي وجدته جالسا هناك..كان الأمر عاديا في البداية لكن هذا الوجود الدائم كان ملفتا للنظر..صرت أتندر وأصحابي بالأمر فأقول ان المقهى قد أنشئ فوقه منذ البداية ويقول أحدهم ان لدى الرجل غرفة نوم في الداخل..سألت صاحب المكان عنه ذات مرة فأجاب مبتسما :
الأستاذ سعيد ؟يسألني الناس عنه كثيرا..بدأ يأتي الى هنا منذ حوالي عامين..وحده أحيانا وبرفقة صديقه الأستاذ سالم أحيانا أخرى..أحب المكان ويأتي اليه باستمرار..
قلت له ضاحكا:
لماذا لا تطلقون اسمه على المقهى تكريما له ؟..
***
بدأت ألاحظ الرجل أكثر فأكثر..يبدو بجسده النحيل وشعره الأشيب في الستين أو جاوزها بقليل ..يدخن السجائر ويحتسي الشاي..يقرأ الجرائد أو يتابع التلفاز أو ينشغل بالحديث مع صديقه..ماذا كان اسمه ؟-لكنني لاحظت أنه في مرات كثيرة كان يمسك بهاتفه المحمول ويطيل النظر اليه خصوصا اذا كان وحيدا..
***
كان ثاني أيام العيد..سبقت أصدقائي الى المقهى وجلست على الطاولة المجاورة لطاولة الأستاذ سعيد كان وحيدا هذه المرة ..سرعان ما دق هاتفه المحمول فوجدته يرد بصوت متهدج من الانفعال :محمود !كيف حالك يا حبيبي؟ هل يجب أن يأتي العيد كي تسأل عني ؟ أعانك الله يا حبيبي..أنا بخير والحمد لله على كل حال..أفتح المحل صباحا وأجلس مع عمك سالم في المقهى مساء ولا أعود الا للنوم..البيت صعب جدا في غياب أهله..لقد زرت أمك بالأمس وقرأت لها القراّن..لو كانت بيننا لما احتملت فراقك كل هذه الفترة..ألن تأتي في اجازة يامحمود ؟لقد اشتقتك كثيرا...قريبا ..قريبا..لا تزال تكررها وقريبا هذه لا تأتي أبدا..مع السلامة باحبيبي..لا اله الا الله..
***
هذا هو ثالث يوم أحضر فيه للمقهى ولا أجده..المكان يفقد الكثير من روحه ..هل يكون قد أصابه مكروه؟سألت أصحابي عنه فلم يعرف أحدهم جوابا لكن تعليقاتهم لم تخل من سخرية معتادة..قلت بشيء من الحدة :الرجل لم يفعل شيئا لنسخر منه.
لم يضف صاحب المقهى جديدا حين قال انه لم يأت منذ بضعة أيام وهو لا يعرف السبب..الأستاذ سالم غير موجود أيضا
كنت أدفع الحساب مستعدا للرحيل بعد أمسية مملة حين وجدته بجسده النحيل وشعره الأشيب يدلف من باب المقهى محييا النادل..اتجهت نحوه وقلت له دون تفكير : لقد افتقدناك كثيرا..حمدا لله على سلامتك..ظهرت الدهشة على ملامحه وارتبك للحظة ثم ما لبث أن رد تحيتي مبتسما وفي عينيه نظرة أحسبها تحمل امتنانا..
|
|