قرر أهل العلم أن من حكم الصوم تذكر البطون الجائعة، والأجواف الخالية والعطف على الفقير، والحنو على المسكين، والإحسان إلى المعدمين، فمن لم تكن هذه حاله في رمضان فإنه لم يحقق كثيراً من مقصود الصيام.
وقد فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر هذا الشهر صدقة الفطر لما لها من أثر في ترابط المسلمين وتوحدهم وتماسك مجتمعهم، ولما تشعر به المسلم من معاناة أخيه المسلم الذي لا يجد ما يغنيه ويسد حاجته.
إن أمة لا يعطف غنيها على فقيرها، وقويها على ضعيفها أمة مهزوزة من داخلها، ضعيفة في بنيانها، ولن يقوم لها صرح مجد ولا بناء عزة، ولن يكون لها في الريادة نصيب.
وفي رمضان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفيض جوداً وسخاءً كالريح المرسلة، فعن بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة"(1).
فما أجدر المسلم أن يتحلى في هذا الشهر الكريم بأخلاق النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم -، فهو مأمور بالاستساء به مطلقاً، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يخص هذا الشهر دون غيره بمزيد بذل وعطاء حتى كأنه الريح التي تهب على الجميع وتعم الأرجاء، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى: "وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان الإكثار من العبادات، فكان جبريل - عليه الصلاة والسلام - يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناًً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة"(2).
وقد تعلم الصحابة الكرام من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الهدي، فكان لهم في هذا الشهر الكريم مزيد بذل وجود وسخاء، لا يأكل بعضهم بهناء إلا إذا رأى على مائدته الفقراء والمساكين والمعدمين، كانوا يبحثون عن الفقراء أكثر مما يبحث الفقراء عنهم، وكأنهم هم أصحاب الحاجة، وقد أورد محمد بن حسين البرجلاني في كتاب الكرم والجود والسخاء طائفة من أخبار السلف الصالح - رضي الله عنهم - في إطعام الطعام:
فساق بسنده عن أبي السوار العدوي أنه قال: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه.
وروى عن الحسن: أن ابن عمر كان لا يأكل طعاماً إلا ويقيم معه على مائدته يتيم.
وكان حماد بن أبي سليمان يفطر كل ليلة في شهر رمضان مئة إنسان، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً وأعطاهم مائة مئة.
فهذه بعض أخلاق السلف - رحمهم الله - تعالى - من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، وإن كان من خاتمة لهذا الموضوع فحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام"(3)، والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) رواه البخاري، 1/117. (3048)، ومسلم، 4/1803، رقم 23088.
(2) زاد المعاد، 2/30.
(3) رواه الترمذي، 4/652، (2485)، وصححه.
|
|