توصيفٌ شاعريّ فيه لمساتٌ صوفيّة وأخرى فلسفيّة تأمّليّة ، كلّ ذلك لا يقلّ جمالا عن جمال لمستك الفنيّة السحريّة وضربات فرشاتك المميّزة في لوحة (عندما يأتي المساء) ... هي فعلا كما قلت لي (قطعــة حيـــاة) عبّرت عنها بالريشة والفرشاة ... دام إبداعك أيّها الفنّان ...إبراهيم طاهري
بقلم وفرشاة الأستاذ : الشيخ خليل دحماني
ويأتي المساء كعادته في كلّ مساء ... مُثقَلاً بهمومنا ... مستاءً من عيوبنا...متذمّرًا من ذنوبنا اليومية .. يحضر مرتديا ثوبه الرمادي الذي لم ينزعه منذ الأزل ولم يزل...فلا تَغَيُّبَ عن الموعد ولا تعطيل ... ولا تخلّف عنه ولا تأجيل ... ملتزما بقوانين ربّانية صارمة ... وتعاليم كونيّة حازمة .. وأتى المساء كعادته ... وما إن حلّ بمسرح الحياة حتى انطلق عرض مساءيّ مثير للدهشة ومثير للجدل .. بكامل فصوله ومشاهده ، فرُفِع الستار ... وأُخِّرَ الحوار ... إلى أن هوَتْ شمس النهار ... وانحنَت لتقبيل رؤوس جبال بلدتنا الشَامخة .. طالبةً حقّ اللجُوء الطبيعي...والإختباء كالمعتاد ... وراءَ ظهورها المطعونة بكل ماهو مُسَنّنٌ وحادّ .. ومن ثَمَّ انحدرتْ نسائمُ المساء مترنّحةً بعدما بعثرت وهيّجت أوراق الدّيس ... فتعطّرتْ وتعبّقتْ بأنفاسها الصاعدة ... مستحضرةً بذلك ذكريات الأرض ... وحكايات الشرف والعرض ... ناهيكَ عن قصص الأولين والآخرين ... وحقيقة المقصيين الذين سقطت أسماؤهم وأعمالهم من قوائم التاريخ المُعتِم ... ولكنّها رُفِعَت إلى السماء ...في ذات المساء ...المساء الذي أبدت أهواؤه النرجسية ... رغبةً جامحةً في مراقصة أشجار الصفصاف العتيقات المُتعَبات من وقفات الدّهر وتغيراته.. فما بخلنَ .. ولو بتحريك جدائلهنّ على أنغام سمفونية الزمن العجيب ... ومنها على صدح البلابل ... المحكوم عليها غيابيا ..والناجية إلى حين من أقفاص وسجون من صُنِعَت ووُضِعَت لأجلهم الأقفاص والسجون ... وعلى هديل الحمام ..المُبعَد من أداء رسالات عباد ربه ... والمُهَجَّر من أوكاره .. بأفكاره .. وبراعة ابتكاره...بعد إغلاق مجاله الجويّ ... وعلى أصوات وحركات بقايا سنونواتٍ ..تائهات في سماء غَزَتْنَا وغَزَتْهَا الذبذبات .. والترددات ...والإشعاعات .. والأشّعة ... والشائعات فتغذّت منها عقُولُنا فأصابتها التسمّمات ... وعلى صرخات راعٍ مُرهَق .. متعرّق .. بعد يوم شاق ...قد تصنع المخابر .. ذات يوم من عرقه الزكيّ مُزِيلاً لروائح الراحة والخمول الكريهة ... وعلى صيحاته الحادة .. الممزوجة بنُبَاح حرّاسه الأوفياء ... المتأهّبين دومًا لغدر الجبناء ... وعلى مأمأة الخراف وصخبها ... وقفزات جديان الماعز وشغبها ...إحتفاءً وترحيباً بعودة القطعان ... وحليب الأمهات والشوق والحنان ... وكل الأشياء المفقودة فينا وفي بشر هذا الزمان. وعلى تصفيقات وتَموُّجات زرعٍ مُهانْ ... تمّت خيانته بأمان ... على أرضٍ هيَ حُلُمُ كُل إنسان ... فضاعت قداسته ... وأُجْهِضَتْ حبّاته ...في رحم السنبلات...حين ضُربتْ عرضَ جدران الحاويات...وبواخر التبعية والموالاة. وفجأةً خيَّمَ السكون ... وذَهُلِتْ العيون ... وتغيّر وجه السماء ... فاصفّرتْ وخجلتْ فاحمرّت ... ثم ارتعشتْ الأجواء ... واسمرّتْ فبرُدتْ ... وانطفأت الألوان ... وماعادَ للخيط الأبيض منَ الأسود بيَانْ .. وبدا المساء راكضا ... مهرولا ...يعدو في كل مكان ...حتى اختفى وكأنه ما كان .. فأُسدِلَ الستار ... وتسائَلَ الكلُ واحتار ... يا ترى أهو وجهُُ آخر للرّحيل وتسليم المهام..؟ وأُْسْلوبُ زَعامةَ مكان وزمان لأجل مُقَامْ..؟ َأمْ هو الخوفُ من ليلٍ دامس قادم بانتقام...؟ بعد محْو آيته فَهَبَّ مُدَجَجًا بالأَوْجاع والآلآم..؟ وماذا عن السكينة والقيام ..؟وسرّ الأحلام..؟ ربما سَيَبُوح الصباح ... عندما يأتي كعادته في كل صباح.
- دحماني الشيخ خليل ألوان زيتية على القماش - 30 سم على 20 سم.
|
|