قال تعالى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
جمع وإعداد: الأستاذ إبراهيم طاهري
شكر خاص لــ:
1- المجاهد الحاج المدني بن عبد الرحمن تلميذ الشهيد.
2- الأخ الكريم ( ج.ب) الذي قدّم لنا المعلومات التي بحوزته عن الشهيد.
ليس في الوجود أجمل من الحريّة ولا أغلى منها ، فبالحريّة يشعر الإنسان بوجوده في هذه الحياة ويحسّ بكينونته ومعناه ، ولكنّ الحريّة إذا سُلِبَت أصبحت صعبة المنال غالية الثمن ، وأضحى طريقها مفروشا بالجماجم والأشلاء مليئا بالدموع لا يسلكه إلاّ عشاق الحريّة ، وقد كان من بين عشّاقها الأحرار الشهيد القائد البطل : سي البشير بن صالح من عرش أولاد سيدي إبراهيم الغول.
المولـــد والنّشــــأة :
ولد الشهيد البطل البشير بن صالح في سنة 1920م بقرية الدّيس – عرش أولاد سيدي إبراهيم الغول (قرب مدينة بوسعادة) ، لأبيه رابح بن أحمد وأمّه الزّهرة دحّة ، وكان ابن أسرة عريقة محافظة ، تلقّى مبادئ التعليم الدّيني في مدرسة القرية وكتابها في المسجد العتيق على يد علماء من بينهم العلاّمة الحاج بن السنوسي بن عبد الرحمن ، ثمّ شدّ الرّحال إلى زاوية الشيخ السعيد بن أبوداود بتاسلنت – بجاية حيث أتمّ حفظ القرآن وتعلّم أصول الفقه والدّين ، ومن ثمّ قفل إلى جامع الزيتونة بتونس حيث تحصّل على شهادة علميّة ، ثمّ عاد إلى الوطن ، كان رجلا واسع الإطّلاع دقيق الفهم متوقّد الذّكاء ، هادئ المزاج صاحب حجّة وإقناع معروفا بحسن السّمت والمظهر وأخلاقه الراقية.
النشاط السياسي :
إنّ الأوضاع الإجتماعية المزرية آنذاك من فقر واحتقار وتسلّط على أبناء الشعب الجزائريّ من طرف المستدمر الفرنسي تركت في نفس الشهيد ألمًا كبيرا ونقمة شديدة على هذا المحتلّ الغاصب ، وكانت حافزا قويّا لانخراطه مبكّرا في العمل السياسي ، حيث انضوى سي البشير تحت لواء حزب الشعب الجزائري وعمل بحرص وبكلّ إخلاص على غرس الحسّ الوطني والروح الوطنيّة في النشء ، حيث كان يحفّظ شباب القرية ومثقفيها الأناشيد الوطنيّة وينشر في أوساطهم الوعي بخطورة المستعمر وضرورة مقاومته . يروي المجاهد الحاج المدني بن عبد الرحمن وهو من تلامذة الشهيد أنّ سي البشير كان يحفّظهم الأناشيد مرتين في الأسبوع بواحد من بيوتات القرية ،ومن بين الأناشيد نشيد (فــــداء الــجـــزائــــر روحـــي ومــــالــــــي \\ ألا فــــي ســــبـــيـــــل الحــــريـــــــة) ،ويضيف الحاج المدني قائلا : " .. لقد كان تسلّحنا بالرّوح الوطنية وحبّ الوطن واشتغالنا بالنضال والسياسة فيما بعد يعود إليه أوّلا .." .
ارتحل سي البشير بعد ذلك إلى فرنسا حيث كان مشرفا على التعبئة وجمع الإشتراكات لصفوف حزب الشعب الجزائري قبل اندلاع الثورة ، ... كان نشيطا حريصا على توعية الجزائريين بحقوقهم وإقناعهم بالعمل المسلّح والمساهمة في النّضال والثورة لتحقيق الإستقلال ، وفي فرنسا كان يجوب المقاهي والنوادي والتجمّعات .. وحتّى الحانات التي يقصدها الجزائريّون وذلك لغرض تعبئتهم وتثقيفهم وتوعيتهم ، يروي مرافقوه آنذاك أنه في مرّة من المرّات مرّ مع مرافقيه على حانة من الحانات فرأى جزائريّا مفتول العضلات يتناول الخمر ، فأخبر رفاقه بأنّه ذاهب للحديث مع ذلك الرّجل وحاول الرفاق منعه من ذلك لكنّه كان مصرّا ... اقترب الشهيد سي البشير من الرجل وجلس معه على نفس الطاولة وراح يحدّثه عن الخمر وحرمتها على المسلم وعواقبها .. وإذا بالرجل يفاجئه بلكمة قويّة على وجهه أوقعته أرضا وأدمت فمه ، وأراد الرفاق أن يهمّوا بالرّجل لكنّ سي البشير أشار إليهم بالتراجع ، ثمّ مسح دماءه ورجع إلى الرّجل يكلّمه من جديد قائلا : " يا أخي العزيز قوّتك هذه نحتاجها في موضع آخر ولهدف أسمى .." وراح يكلّمه برويّة وهدوء وهو يبتسم فإذا بالرّجل يهشّ ويستمع باهتمام ، ثمّ رمى زجاجة الخمر .... بعد ذلك عرف الجميع أنّ ذلك الرّجل أقلع عن شرب الخمر ثمّ التحق بجيش التحرير وارتقى شهيدا ، ومن جرّاء المضايقات الكبيرة التي تعرّض لها من السلطات الفرنسية لمّا علمت بدوره الهامّ في المقاومة السياسية ، فقد عاد سي البشير إلى الجزائر حيث واصل مهمّته في التوعية والنضال السياسي وأشرف بنفسه على تشكيل خلايا مقاومة في منطقة الدّيس وضواحيها ، تحضيرا للكفاح المسلّح الذي لم يكن انطلاقه سوى مسألة وقت فقط ، وفي سنة 1957م التحق البطل بصفوف جيش التحرير وبالضبط في المنطقة الثانية من الولاية الثالثة ، ونتيجة لما عُرِف عنه من إخلاص وثقافة عالية باللغتين العربية والفرنسية وخبرة كبيرة في العمل السياسي ، عيّنته قيادة الثورة بالولاية الثالثة مسؤولا سياسيا برتبة ملازم أوّل ، وكان محلّ تقدير كبير واحترام من طرف القيادة والمواطنين ، وعمل بكلّ ما يملك لدعم الثورة ماديّا ومعنويا.
من أهمّ العمليات التي قام بها :
إضافة إلى العديد من المعارك والإشتباكات مع جيش الإحتلال التي شارك فيها ، فقد أشرف بنفسه على واحدة من العمليات التي قام فيها باسترجاع 12 بندقية حربية فرنسية ، إضافة إلى دعم الثورة بالمال واللباس العسكريّ وتوعية الشباب وتعبئتهم للإلتحاق بالثورة ، حيث تمكن من تجنيد الكثيرين الذين ارتقى بعضهم في ساحة الشرف.
استشهاده :
في سنة 1960م وضعت القوات الإستعمارية كمينا مُحكمًا بمنطقة أولاد منصور بالمسيلة للشهيد في البيت الذي اعتاد اللجوء إليه بعد وشاية من طرف أحد العملاء ، وما أن دخل إلى البيت المُرَاقب حتى تمّ القبض عليه ، واقتيد مكبّلا إلى إحدى الساحات وتمّ إحضار المواطنين لحضور تنفيذ حكم إعدامه ، لأنّ الشهيد أبى الإستسلام والرضوخ وكشف الأسرار التي يعرفها رغم الإغراءات والتهديدات ، مفضّلا الإستشهاد على الخيانة والعمالة ، وقد جاء في شهادة الملازم الثاني ورفيق سي البشير ، المجاهد سي عبد العزيز من المنطقة الثانية من الولاية الثالثة أنّ سي البشير بن صالح كان من أكبر الزعماء وقد قدّم الكثير للثورة ، وأنّ الكلام الذي قاله لعسكر الإحتلال قبل تنفيذ حكم الإعدام يعتبر بمثابة كفاح 7 سنوات بالرشاش.
هكذا عاش الشهيد سي البشير بن صالح شريفا حرّا واستشهد كريما ثائرا من أجل أن تحيا الجزائر حرّة مستقلّة وشعبها سيّدا.
رحم الله الشهداء الأبرار وجزاهم عنّا خير الجزاء
|
|