ما أحوجنا إلى أدب المجالس، والكيفية التي كان بها صلى الله عله وسلم يجالس ويؤانس كل من حوله، وقد أهَّله الله من البداية لذلك، فقد كان جده عبد المطلب يُفرَش له فراش بجوار الكعبة يجلس عليه، ويأتي بنوه فيجلسون حول الفراش ولا يستطع أحد منهم - حياءاً منه وهيبة له - أن يجلس بجواره على الفراش، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ويمشي حتى يجلس إلى جوار جده على فراشه، فأراد بعض أعمامه يوماً أن يمنعه، فقال جده: دعوه فإن إبني هذا يؤنس ملكاً، أي يؤنس الملوك وليس شيخ قبيلة أو كبير عائلة فقط.
والآداب ما أحوجنا إليها في جِلساتنا مع بعضنا، أو جلساتنا مع أهلينا وذوينا في بيوتنا، أو أي جلسة نجلسها في أي موضع من أرض ربنا، نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نهتدي ونقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك.
قال الحسين فسألته – أي علياً رضي الله عنه – عن مجلسه صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ فقال: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَلا يُوَطِّنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ فاوضه فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يرَدّهَ إِلا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطَهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا فِي الْحَقِّ عِنْدَهُ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ: علمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصبْرٍ، وَأَمَانَةٍ، لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَفَاضِلِينَ مُتَعَادِلِينَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحفظونَ الْغَرِيبَ}.
{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقد وصفته بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها، فقالت عنه صلى الله عليه وسلم: {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ}{1}
والسالكون الصادقون، والعارفون المتمكنون وصفهم بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سُئل: أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ ذَكَّرَكُمْ بِاللَّهِ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَكُمْ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عِلْمُهُ}{2}
عندما تراه تذكر الله، لأنه ذاكر لله لا يغفل عن مولاه طرفة عين ولا أقل، وأكبر ذنب عند أهل المعرفة بالله هو الغفلة ولو لحظة عن ذكر الله، بينما العوام لا يعدون ذلك ذنباً، لكنهم كما قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
هفوة العارفين أكبر ذنب فابذل النفس تُمنحن رضواني
دخل الإمام كمال الدين الأخميمي رضي الله عنه زائراً للسيد عبد الرحيم القنائي رضي الله عنه في روضته، وكان من أهل المكاشفة القلبية والبصيرة النورانية، وبعد انتهاءه من الزيارة قال الشيخ كمال الدين: يا سيدي أوصني، فأجابه السيد عبد الرحيم وهو في برزخه: يا بُني لا تغفل عن ذكر الله طرفة عين، فأنا كما ترى في روضات عالين، ولكني أقول: يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله.
كل لحظة تمر على الإنسان في غفلة عن ذكر الله سيندم عليها عند خروج النَفَس الأخير ليلقى الله، لذلك شعار مجالس الصادقين والعارفين والسالكين هو ذكر الله على الدوام.
{وَلا يُوَطِّنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ }، في المساجد بعض الناس يتخذ له مجلساً محدداً، كأن يكون بجوار المنبر، أو بجوار حائط، ويظهر عليه الغضب إذا رأى أحد جالساً مكانه، بل ربما يخرج أحدهم عن حد الإعتدال ويحاول أن يقيم من جلس في مكانه، وهذا نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن مجالس الله، إن كان مجلس علم أو مجلس ذكر أو مجلس فكر؛ ينبغي أن تكون كما قال رب العالمين: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} الواقعة
ومن جاء للمجلس يعمل بسنة سيد الرسل والأنبياء أنه من دخل مجلساً فوجد فرجة يجلس فيها، فإن لم يجد يجلس حيث انتهى به المجلس، وهكذا كان يعلمهم صلى الله عليه وسلم.
لو وجد فرجة فلا بأس، لكن إذا لم يجد فليجلس في آخر الصفوف، إذا أراد بعض القوم أن يُكرم الداخل فلا مانع أن يقوم له أو يُفسح له، لكنه لا يُقيم شخصاً من مكانه، إذا قام الشخص من نفسه فاز بالإيثار، وزادت له من الحق الأنوار، لكن لا ينبغي على أي شخص مهما كان قدره ومكانه أن يُقيم شخصاً ليجلس مكانه، هذا هو الأدب المحمدي الذي علَّمه لنا حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ}، وهذا كان الهدي النبوي السديد، كل من في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له حظ من نظراته، ونصيب من عباراته، وقدر من إشاراته، حتى كان يُهىَّء لكل رجل من الجالسين أنه أفضلهم وأكثرهم حظوة عند سيد النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم
يحكي في هذا الباب سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وقد بعثه رسول الله أميراً على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر لمصلحة كانت تقتضيه وقد جلس يحدثه ويقبل عليه بالحديث قيل {وأحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره}{3} لما كان من حسن تصرفه حفاظا على الجيش لقلة عددهم، حتى وقع في نفس عمرو أنه مقدم عنده في المنزلة – واسمعوا لرواية عمرو بنفسه قال:
{لَمَّا قَدِمْتُ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ ـ وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِل?ى رَسُولِ اللَّهِ مِني ـ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : عَائِشَةُ، قُلْتُ: إِني لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ النسَاءِ، قَالَ: أَبُوهَا إِذَنْ، قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَ: حَفْصَةُ، قُلْتُ: لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ النسَاءِ، قَالَ: أَبُوهَا إِذَنْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ عَلِيٌّ ؟ فَالْتَفَتَ إِل?ى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إِنَّ ه?ذَا يَسْأَلُنِي عَنِ النَّفْسِ}. وفى رواية: { قال: عمر . فَعَدَّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) رِجَالاً – (أي فذكر صلى الله عليه وسلم رجالاً آخرين بعد أسئلة أخرى له ومنهم أبوعبيدة ) فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أنْ يَجْعَلَنِي في آخِرِهِم.}{4}
ذلك من مودته وشفقته وعطفه وحنانته صلوات ربي وتسليماته عليه.
والعجب أن كثيراً من المسلمين الآن لا يستطيع أن يوزع الحنان والعطف والبر والشفقة والمودة على بنيه حتى لا يلحظ أحدهم أنه يُحبه أكثر من الآخرين، بينما سيد الأولين والآخرين كان يوزع الحنان والعطف والشفقة والرحمة والمودة على الأُمة كلها، ولا يلحظ أحدهم تفريقاً في المعاملة، ولا ميلاً في النظرة، ولا أي أثرة، لأنه صلى الله عليه وسلم كما قال فيه ربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107
وأمرنا صلى الله عليه وسلم في سبيل ذلك إذا كنا في مجلس أن لا يتناجى اثنان ويتركان الثالث بمفرده، وقال في ذلك: {إِذَا كَانُوا ثَلاثَةٌ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ}{5} ، وفي رواية:{فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ}{6}
نتناجى إذا كنا منفردين، أو في مكان آخر، لكن إذا كنا في مكان عام، أو في مكان خاص يجب أن يكون الحديث للجميع فيه طرف، حرصاً على سلامة الصدور، فإن أحرص ما كان يحرص عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم في مجالسه سلامة الصدور، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ بُدَلاءَ أُمَّتِي لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِكَثْرَةِ صَلاتِهِمْ وَلا صِيَامِهِمْ، وَلَكِنْ دَخَلُوهَا بِسَلامَةِ صُدُورِهِمْ، وَسَخَاوَةِ أَنْفُسِهِمْ}{7}
فأي أمر يؤذي الجالسين كان يتنزه عن فعله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.
{مَنْ جَالَسَهُ أَوْ فاوضه فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ}، وهذا كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يعجل ولا يتعجل، بل يتأنى ويصبر حتى يستشعر الذي يحادثه أو يفاوضه بأنه زاد عن الحد فيستأذن من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
عندما نزل قول الله لحَبيبه ومُصطفاه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}الكهف28
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يجلس معنا أهل الصفة ولا ينصرف ولا يتركنا حتى نقول له: يا رسول الله قد أذِنَّا لك فانصرف راشداً.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافح رجلاً لم يكن يسحب يده، بل يظل يمدها حتى يسحب الآخر يده، وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس مع قوم في أي شأن أو مصلحة - وهو صاحب التمام والكمال – يتركهم حتى يُكملون حديثهم، ويستوفون موضوعهم، لأنه صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلوات ربي وتسليماته عليه.
{وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يرَدّهَ إِلا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ}، إما أن يُعطيه هذه الحاجة ولو كان هو صلى الله عليه وسلم في أمسِّ الحاجة إليها، فمثلاً .. رأت امرأة من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى بردة – عباءة – يتدثر بها، وليس عنده، فصنعت له عباءة وأهدتها له، واسمعموا لسَهلَ بنَ سعدٍ رضيَ الله عنهُ يروى القصة ويقول:
{جاءتِ امرأةٌ ببُرْدةٍ قالت: يا رسولَ اللهِ، إِني نَسَجتُ هذه بيدي أكْسوكَها. فأخَذَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فخَرَجَ إلينا وإنها إزارُه، فقال رجلٌ منَ القومِ: يارسولَ الله اكسُنيها، فقال: نعم. فجلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المجلِسِ، ثمَّ رَجَعَ فطوَاها ثمَّ أرسلَ بها إليه. فقال لهُ القومُ: ما أحسنتَ، سألتَها إيّاهُ، لقد علمتَ أنهُ لا يَرُدُّ سائلاً، فقال الرجُلُ: والله ما سألتُها إلاّ لتكونَ كفَني يومَ أموتُ. قال سَهل: فكانت كفنَهُ}{8}
وإن لم يجد يرده بقول يسير، لأنه لم يكن فظ ولا غليظ، ولا يقول قولاً هجرا ولا فاحشاً ولا بذيئاً، فإن الله عصمه من ذلك وخلَّقه بالخُلُق القويم والهدي المستقيم صلوات ربي وتسليماته عليه، حتى وصل به الحال أن رجلاً جاء إليه يسأله، فقال صلى الله عليه وسلم: {مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ، فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالاً، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَرَفَ الْبِشْرَ فِي وَجْهِهِ لِقَوْلِ الأَنْصَارِيِّ.ثُمَّ قَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ}{9}
فكان صلى الله عليه وسلم هذا حاله وهذا دأبه مع خلق الله أجمعين.
{قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطَهُ وَخُلُقُهُ} وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلْيَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ}{10}
وقد قال الرجل الأعرابي:
أبُني إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين
ماذا يكلفك العبوس؟ يُكلفك إفساد الصحة، وإذهاب بهجة النفس! وماذا يُضفيه عليك السرور؟ انشراح الصدر وبهجة القلب وصحة وعافية الجسم، وقد أكد أطباء الأبدان أن الإنسان إذا ضحك تحركت كل العضلات الموجودة في وجهه، فتكون رياضة روحية وجسمية ونفسية للإنسان، ماذا على الإنسان الذي يريد وجه الله أن يقتدي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بسطه وفي أخلاقه صلوات ربي وتسليماته عليه.
{فَصَارَ لَهُمْ أَباً، وَصَارُوا فِي الْحَقِّ عِنْدَهُ سَوَاءً}، لا يُفرق حتى بين ابنته، جاءته ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها تَشْتَكِي إِلَيْهِ الْخِدْمَةَ، فَقَالَتْ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ مَجِلَتْ يَدَيَّ مِنَ الرَّحَى، أَطْحَنُ مَرَّةً، وَأَعْجِنُ مَرَّةً، فقال صلى الله عليه وسلم: إِنْ يَرْزُقْكِ اللَّهُ شَيْئًا يَأْتِكِ، وَسَأَدُلُّكِ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا لَزِمْتِ مَضْجَعَكِ، فَسَبِّحِي اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرِي ثَلاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدِي أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنَ الْخَادِمِ}{11}
العدالة الكاملة للحَبيب الأعظم صلوات ربي وتسليماته عليه، لأنه على خُلُق الحق، والحق أحق أن يُتبع.
{1} صحيح مسلم وسنن الترمذي {2} الأحاديث المختارة وشعب البيهقي عن ابن عباس {3} عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى دار السلاسل فسأله أصحابه أن يأذن لهم أن يوقدوا نارا ليلا فمنعهم، فكلموا أبا بكر أن يكلمه في ذلك، فقال: قد أرسلوا إلي لا يوقد أحد منهم نارا إلا ألقيته فيها، فلقوا العدو فهزمهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرف ذلك الجيش للنبي صلى الله عليه وسلم شكوه إليه، فقال: يا رسول الله! إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، قال: فأحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، قال: فقال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: لم؟ قال: لأحب من تحب، قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبو بكر. (لأبي يعلى في مسنده). كنز العمال {4} عن عمرو بن العاص ، الرواية الأولى رواه ابن النَّجَّارِ والثانية (متفق عليه) {5} الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن عمر {6} سنن أبي داود عن ابن عمر {7} شعب البيهقي والأولياء لابن أبي الدنيا {8} صحيح البخاري عن سهل بن سعد {9} الأحاديث المختارة ومسند البزار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه {10} الحاكم في المستدرك والبيهقي عن أبي هريرة {11} مسند أحمد والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها
|
|