كان صلى الله عليه وسلم له عطاس، وعند عطسه علَّمنا أن يُخفض صوته، وأن يجعل يده على فيه أو جزء من ثوبه، ولا بأس في هذا العصر أن تضع منديلاً إن كان ورقياً أو كان قماشاً، وكان يكره أن يسمع رجلاً في المسجد يرفع صوته بالعطاس، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ} {1}
فكان يكره الذي يعطس بصوت مرتفع، إن كان في المسجد أو غيره لأنه كان صلى الله عليه وسلم حريص على الأدب الجم الذي علَّمه له الله، والذي قال فيه له مولاه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4
وكان صلى الله عليه وسلم إذا عطس حمد الله فيقال له: يرحمك الله فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم
أما التثاؤب فما كان يتثائب قط، وقد حفظه الله منه، وقد قال صلى الله عليه وسلك: {ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط} {2}
وفى الأثر: {ما تثاءب نبي قط} ، وكان صلى الله عليه وسلم يكرهه من غيره، ويعلِّم أصحابه عند التثاؤب أن يضعوا يدهم مقلوبة أو شيئاً على أفواههم، ويأمرهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ويقول: {التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ} {3}
ادفع هذا الأمر لأنه من الشيطان، وهذا كان أمره في التثاؤب لأمته
عندما نرى الأوصاف العظيمة التي سار عليها رسول الله، والعناية بجسده نجد أن الأمر الجامع التام العام العناية بأعضاء أعطاها لنا الله، العناية بالجسم كله، وأبرز ما فيها النظافة والهيئة الطيبة، فكان صلى الله عليه وسلم يأمر كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام مرة ويقول صلى الله عليه وسلم: {حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَهُ} {4}
وجعل الغسل يوم الجمعة سُنَّة لأن الإنسان سيقابل الجماهير الإسلامية، ولذا لا بد أن يكون نظيف، كان صلى الله عليه وسلم عَرَقه – كما ذكرنا - أطيب من ريح المسك، ولا يمس أحداً بيده إلا ومكث ريح طيبة في يده ثلاثة أيام على الأقل، وإذا مشى في طريق عُرف أنه مشى في هذا الطريق من رائحته الطيبة التي فاحت في هذا الطريق.
ومع ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالطيب غاية الاعتناء: فكان صلى الله عليه وسلم له وعاء يضع فيه كل أنواع الطيب العظيمة والفخمة، وكان ويضع من الطيب على رأسه، وعلى لحيته، وعلى جسده.
مرة يضع العود، ومرة يضع المسك، ومرة غيرهما من أنواع الطيب التي كان صلى الله عليه وسلم يحرص عليها دائماً، وكان يحرص على التطيب في كل الأحيان، وخاصة عند الذهاب إلى المسجد، وعند الجمعة، وعند الجماعات، وعند الدخول في المجتمعات، ولذا رُوي عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان لا يَرُدُّ الطيب، وسُئل في ذلك، فقال رضي الله عنه: {إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ} {5}
فهذا الجسد النوراني الذي عرقه أطيب من طيب كل الوجود، ومع ذلك يستخدم الطيب ليُعلِّمنا أن نتطيب، وأن نحرص على الطيب، وأن نكون على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة ويستعملهما كثيراً ويحض عليهما ويقول: {إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ} {6}
أما الرواية التى تقول: "حبب إلي من دنياكم ثلاث" فلا أصل لها:
ففي المواهب قال شيخ الإسلام الحافظ بن حجر: إن لفظ ثلاث لم يقع في شيء من طرقه وزيادته تفسد المعنى، وكذلك قاله الوالي العراقي في أماليه وعبارته ليست هذه اللفظة وهي ثلاث في شيء من كتب الحديث وهي مفسدة للمعنى فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة
وما دمنا سنتطيب فيجب أن نختار الطيب الذي ليس له مردود سلبي على أعضاء جسم الإنسان ونتبع الطرق العلمية التي هدانا إليها أطباء الأبدان، فالعطور تحتوي على كحول، وإذا وضعت مباشرة على أي جزء من الجسم فإنها تؤثر فيه وتجعل هناك حساسية في هذا الموضع، لكن يجب أن أضع أولاً العطر على اليد ثم أمسح به ما شئت من جسمي.
ولذلك دائماً أحذر الأحباب من وضع العطر أو رشه مثلاً مباشرة على الوجه لأن هذا قد يكون له تأثير سلبي على العين، ولكن يجب وضعه على اليد أولاً، فهذه هي الطريقة الصحيحة لاستخدام الطيب كما ينصح أهل العلم.
وألا يكون - كما يبيعه الباعة الجائلون على أبواب المساجد - زيتاً من نوع رديء {مجهول الهوية والمصدر عادة} ويضعون عليه قطرات عطر قليلة ويقولون أنه مسك، فالمسك أصلاً لا شأن له بالزيوت، لأنه من الغزال، أمَّا هذه الزيوت فلا يعرف أصلها وقد تكون ضارة بالإنسان، لا تشترِ ولا تضع على جسمك إلا ما تضمنه وتأمنه وترجو فائدته، هكذا دائما أحذر وأنبه
كان صلى الله عليه وسلم في هذه الهيئات الكريمة؛ الصورة الطيبة التي ينبغي علينا أن نتهذب بها، وأن نحتذي حذوها، وأن نتأسى بها في كل أحوالنا.
{1} عمل اليوم والليلة لابن السني عن عبد الله بن الزبير {2} الحديث أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في «التاريخ» من مرسل يزيد بن الأصم، والأثر: أخرجه الخطابي من طريق مسلمة بن عبدالملك بن مروان، فتح الباري شرح صحيح البخاري {3} الصحيحين البخاري ومسلم عن أبي هريرة {4} صحيح ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة {5} صحيح البخاري وسنن الترمذي {6} سنن النسائي ومسند أحمد عن أنس
|
|