في تقرير له نُشر بداية العام الجاري، كشف عملاق البحث الشهير "google" أنّ 6 من أصل 8 دول الأكثر بحثاً عن الموادّ الإباحية في العالم، هي دول مسلمة، حيث جاءت باكستان بعد الولايات المتّحدة الأمريكيّة مباشرة، تلتها على التوالي كلّ من مصر وإيران والمغرب والسّعودية وتركيا.هذه الإحصاءات لا تدلّ على أنّ المسلمين أكثر انحلالا من الغربيين الذين يمارسون الإباحية في واقعهم، ولا يحتاجون إلى البحث عنها في العوالم الافتراضيّة، لكنّها تنذر بخطر داهم، يتهدّد المجتمعات المسلمة، ويتهدّد شباب المسلمين، في وقت الأمّة أحوج ما تكون إلى يقظة شبابها، ووعيهم بما يحاك لدينهم وأمّتهم، وإدراكهم لما يراد بهم.
الإباحية.. بضاعة أمريكية راجت في الدّول الإسلاميّة
تشير بعض الإحصاءات، إلى أنّ معدّل الإنفاق على الإباحية تعدّى 3 آلاف دولار (28 مليون سنتيم) كلّ ثانية، يصبّ أكثره في حساب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتصدّر دول العالم في إنتاج المواد الإباحية السّاقطة، بمعدّل شريط فيديو إباحي جديد كل 39 دقيقة، وتجني حصّة الأسد من عوائد تجارة الخلاعة والمجون عبر الانترنت، التي فاقت 12 مليار دولار سنويا، يأتي أكثرها من جيوب المسلمين، ويصبّ في جيوب الصهاينة والصليبيين، ليحوّلوها بدورهم إلى أسلحة يقتلون بها المسلمين.
إنّه لأمر مؤسف حقا، أن لا يكتفي بعض شباب المسلمين بإعراضهم عن الاهتمام بمآسي إخوانهم المضطهدين في فلسطين وسوريا والعراق وأفريقيا الوسطى ومالي وبورما، حتى يدفعوا بمحض إرادتهم فاتورة الإرهاب الأعمى الذي يمارس في حقّ إخوانهم، بتهافُتهم على هذه المواقع السّاقطة التي أصبحت تتباهى كلّ عام بنشر إحصاءات مخزية لأكثر الدّول إقبالا على الموادّ التي تنشرها.
حرام وعيب عليكم يا شباب!
حرام وعيب وعار أن تنحدر همم كثير من شبابنا إلى هذا الدّرك السّحيق، الذي جعلهم أسرى للشّهوات، لا يعرفون عن الإنترنت إلا أنّه عالم لإشباع النّزوات، في وقت يتنافس فيه شباب دول أخرى كاليابان، على الإبداع في تطوير المواقع العلمية، التي توفّر أكبر قدر ممكن من قواعد البيانات المتعلّقة بأحدث الاختراعات والاكتشافات.
حرام وعيب وعار أن يصبح حال بعض شباب المسلمين كحال الذّباب، الذي لا يقع إلا على القذر، أو الغراب الذي لا يقع إلا على الجيف؛ شباب لا همّ لهم إلا البحث عن الجديد في عالم الخلاعة، ولا شغل لهم إلا تبادل الصّور والمقاطع الإباحية عبر صفحات التواصل والهواتف المحمولة، يقضون السّاعات الطّويلة في مخادع الخلوة داخل مقاهي الإنترنت، التي لا يرعوي أصحابها عن تسهيل الحرام، وتذليل سبله لأولئك الشّباب، لهثا وراء المال، غير مبالين بكونه حراما سحتا، وغير آبهين بالإثم العظيم الذي يلحقهم من تجارتهم الآثمة هذه، ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون)) (النّور:19).
اتّقوا الله يا شباب
يا شباب الإسلام.. إنّه والله الانتحار البطيء، وإنّها والله خسارة الأولى والآخرة وفساد الدّنيا والدّين؛ إنّه ما أدمن شابّ من الشّباب المواقع الإباحيّة، إلاّ ذهبت مروءته، وضاقت نفسه، واسودّ وجهه، وضعفت ذاكرته، وتملّكته الحسرة والضّيق، ووجد في نفسه نفورا من الصّلاة وقراءة القرآن، بل ومن كلّ أمر جديّ ينفعه في دينه ودنياه، يجد لذّة الخلوة دقائق معدودات، تعقبها حسرة تستمرّ لساعات، بل لأيام متوالية، وربّما يصل الأمر بمن أدمن هذه المواقع إلى حدّ الانتحار، بعد أن تحمله فورة الشّهوة على انتهاك الحرمات، والتعدّي على المحارم وغشيان الموبقات.
أخي الشابّ.. إذا كنت تخلو بنفسك أمام جهاز الكمبيوتر في مقهى من المقاهي، حيث لا يراك من تكره اطّلاعه عليك من النّاس، فهل نسيت اطّلاع الخالق سبحانه عليك؟ ((يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)).. ألا تخشى أن تقف يوم القيامة بين يدي الله، فيقول لك: "عبدي.. أجعلتني أهون النّاظرين إليك؟".. هل نسيت أخي المؤمن أنّ عليك حافظين من الله يحصيان عليك كلّ صغيرة وكبيرة؟ ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)).. أنسيت أخي أنّ عينيك وأذنيك وأناملك ستشهد عليك يوم القيامة بما رأيت وسمعت وكتبت؟ ((وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُون))..
أما تخشى أخي المؤمن أن تذهب حسناتك كلّها أدراج الرياح بسبب إصرارك على النّظر إلى ما حرّم الله؟ يروي ابن ماجه في سننه، عن ثوبان رضي الله عنه، أنّ النبي قال: (لأعلمنّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضاً، فيجعلها الله عزّ وجلّ هباء منثوراً). قال ثوبان رضي الله عنه: يا رسول الله، صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟. قال: (أما إنّهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنّهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).
ليَكنْ لكم عبرة في غيركم
اتقوا الله يا شباب، ولا تغرنّ أحدَكم نظرةٌ حقيرة، فقد تكون الأخيرة، ولْيتدبّر الواحد منكم حالَ كثير من الشباب الغافلين الذين شحنوا صفحات الفايسبوك وملؤوا هواتفهم بتافه الكلام، وساقط العبارة، وداهمهم الموت فجأة، فرحلوا تاركين خلفهم أعمالا ستبقى تصبّ عليهم السيّئات إلى أن يشاء الله؛ يقول أحد العلماء: "طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطّويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مئة سنة ومئتي سنة أو أكثر؛ يعذّب بها في قبره ويسأل عنها إلى آخر انقراضها"..
تذكّروا يا شباب أنّ المؤمن يفرح بالخلوات ليُقبل على الطاعات، والمنافق يفرح بالخلوات ليقبل على الشّهوات.. وشتّان بين هذا وذاك.. ليس كلّ الشّباب من حولكم يدخلون الإنترنت لهثا خلف الشّهوات، فحوْلكم شباب صالحون جعلوا الإنترنت ساحة للدّعوة إلى الله، وكسب قناطير الحسنات.. لقد عاينتُ مواقف لشباب لا همّ لهم إلا نشر الخير والفضيلة على الإنترنت، منها موقف شابّ نحسبه صالحا، يتيم الأبوين، أنشأ صفحة إسلامية على الإنترنت، صدقة جارية لوالديه، نسأل الله أن يتغمّدهما بواسع رحمته.
رسالة إلى أصحاب نوادي الإنترنت
إخواني أصحاب نوادي (مقاهي) الإنترنت.. اتّقوا الله في أنفسكم، واتّقوا الله في شباب هذه الأمّة؛ لا تكونوا عونا للشّيطان عليهم، إنّ المال الذي تجنونه من دخول الشّباب إلى المواقع الإباحية حرام وسحت، والإثم الذي يلحقكم من تهاونكم في هذا الأمر فوق ما تتصوّرون، لأنّكم ستُحَمَّلون أوزاركم، ومثل أوزار أولئك الذين اتّخذوا محلاتكم خلوات أشبه ببيوت الخلاء، بل هي أقذر وأشنع: ((لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُون))..
ضعوا برامج تمنع الدّخول إلى المواقع الإباحية، وأزيلوا الحواجز التي تحجب الشّاشات، واجعلوها مكشوفة، حتى يمتنع العابثون عن المغامرة.. وتذكّروا دائما وأبدا أنّ 100 دينار من الحلال خير وأنفع من ألف دينار من الحرام.