قال أنس بن مالك رضي الله عنه: {لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلا لَعَّانًا وَلا سَبَّاباً}{1}
وهذه صورتك وصورتي وينبغي أن تكون عليها صورة كل مسلم المعنوية ، وكما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم: {لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَلا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ}{2}
كل مسلم ينبغي أن يكون على هذه الشاكلة لا يسب ولا يلعن ولا يخرج من فيه لفظة نابية ولا كلمة فاحشة ولا يخدش حياء أحد بقوله ولا يخدع الأنظار بفعله وإنما يكون المؤمن كما قال الله في شأنه وفينا جميعاً والسابقين والمعاصرين واللاحقين من أهل هذه الأمة: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} الحج24
لا يخرج من ألسنتهم إلا الكلم الطيب ، وهؤلاء دعا لهم حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ: خَيْرًا فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ}{3}
هم يمشون على هذا المنهاج قبل أن تخرج منه الكلمة يعرضها على القلب وعلى العقل فإذا وافقت العقل والشرع وفي ميزان حسناته أخرجها وشكر الله على توفيقه له في قولها ، وإذا كانت نابية أو جافية أو لاغية أو باغية حفظها ولم يتفوه بها خوفاً من عتاب الله ، لأن الله يقول لنا أجمعين: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق18
أي جزء من قول إن كان حرف أو كلمة ، ولا تعتقدوا كما يقول بعض العوام أن الرقيب ملك اليمين والعتيد ملك الشمال ، لو كان كذلك لقال {رقيب وعتيد} لكن الرقيب واحد وهو الله ، وهذا الرقيب عتيد أي شديد ؛ لأنه يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ، وكل كلمة سيحاسب عليها ، والنية التي صاحبت النطق بهذه الكلمة
أخلاق النبي هي الخلاص لنا يا أمة النبي ، أخلاق النبي التي بشَّر بها حتى السابقون ، قيل لعبد الله بن عمرو بن العاص وكان على علم بما جاء في الكتب السماوية السابقة ؛ التوراة والإنجيل: ما صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل؟ فقال رضي الله عنه: {وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَيَفْتَحُ بِه أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا}{4}
هذه أوصاف رسول الله في كتاب الله وفي الكتب السابقة وفي أحواله التي كان عليها ، وجعله الله نموذجاً لنا جماعة المؤمنين حتى نحتذي به في أخلاقنا ونقتدي به في سلوكياتنا ويكون كل واحد منا صورة مصغرة على قدره من أخلاق نبيه ، لا سيما وأن الأخلاق هي الباب الأعظم لإكرام الكريم الخلاق عز وجل ، ولأن يكون الإنسان من الصحب والرفاق الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة يوم الوفاق
سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أثقل شيء يوضع في ميزاننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ}{5}
وجاءه رجل وقال: {أَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: الْخُلُقُ الْحَسَنُ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: الْخُلُقُ الْحَسَنُ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الثَّالِثَة َ، أَوِ الرَّابِعَة َ، فَإِمَّا أَقَامَهُ وَإِمَّا أَقْعَدَه ُ، قَالَ: أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَأَنْتَ طَلِيقٌ، قَالَ: ثُمَّ مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَسِّنُ الْخُلُقَ الْحَسَنَ ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ اللَّه ِ، وَيُقَبِّحُ الْخُلُقَ السُّوء َ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ}{6}
وقال في ذلك صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ " ، وَأَظُنُّه ُ، قَالَ: الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}{7}
لماذا؟ لأن هذه هي البضاعة التي جاء بها رسول الله لتُظهر جمال هذا الدين إلى خلق الله فيدخلوا في دين الله أفواجاً، ونادى النبي صلى الله عليه وسلم على من يُريد أن يكون معه في الجنة وأن يكون قريباً من حضرته يوم القيامة ، فقال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا}{8}
أساء المسلمون إلى هذا النبي وإلى كتاب النبي وإلى دين النبي في هذا الزمان عندما رموا بالأخلاق الكريمة جانباً وأظهروا للعالم أجمع التشدد والتعنت والتزمت والبغض والكراهية والإرهاب وإمساك السلاح وترويع الآمنين ، هل هذا في دين الإسلام؟ كلا والله ، إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن هذا البلد الذي نحن فيه قال: {إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا ، فَذَلِكَ الْجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الأَرْضِ}{9}
لم يقل: فاتخذوا من مسلميها ، ولكن قال: {فاتخذوا فيها} ولم يكن فيها مسلمين في هذا الوقت ، وأنا أقول وأنا على يقين: لو أن أهل هذا البلد تخلقوا بأخلاق سيد الأولين والآخرين الحقَّة ما بقي في هذا البلد واحد إلا ودخل في دين الله
لكنهم يرون منا أخلاقاً وفعالاً تُناقض كلام الله وتناقض ما كان عليه حَبيب الله ومُصطفاه ، ينظرون إلى المسلمين يسارعون إلى المساجد لأداء الصلوات ويختلفون في الركوع والسجود والتطويل والقراءة وغيرها ، فإذا خرجوا من الصلاة فلا صدق في القول ولا وفاء بالعهد ولا مودة ولا تراحم ولا تعاطف ولا شفقة ، أين قيم الإسلام وهي السلاح الذي غزا قلوب الأنام؟ هذا هو الذي ينبغي علينا لهذه الأيام أن نقف عنده
وأنا لا أدعو إخواني إلى دعاء ودعوة غيرهم إلا بعد دعوة أنفسهم ، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ، وليكن لك عند نفسك وقفة ، غُضَّ الطرف عن عثرات الآخرين وافتح العين على مثالبك ومعايبك التي تناقض وتخالف أخلاق سيد الأولين والآخرين واصلحها أولاً ، فإذا أصلحت نفسك فابدأ بمن حولك من أهلك ثم الأقرب فالأقرب ، فستجد لدعوتك حالاً ومقالاً ، وفى الحديث الشريف: {ابدأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ يَلِيكَ وفى رواية: بِمَنَ تَعُولُ}{10}
{1} صحيح البخاري ومسند أحمد {2} سنن الترمذي ومسند أحمد {3} الصمت لابن أبي الدنيا وشعب الإيمان للبيهقي {4} صحيح البخاري ومسند أحمد {5} سنن الترمذي وأبي داود عن أبي الدرداء {6} المطالب العالية لابن حجر، واتحاف الخيرة للبوصيري {7} المعجم الأوسط للطبراني عن أبي هريرة {8} سنن الترمذي عن جابر {9} تاريخ دمشق لابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه {10} النَّسائي من حديث جابر بن عبد الله، والرواية الثانية للبخارى وكثير غيره
|
|