[frame="9 10"]
نريد أن نتلمس عبرة وعظة لنا أجمعين من هجرة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، فإن الله كان قادراً على أن يأخذ حَبيبه ومُصطفاه فى طرفة عين أو أقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، لا يمشى على أرض ولا يركب مركوباً من عالم الأرض ولا ينازعه ولا يعارضه بشر
كان قادراً على أن يتمم ذلك كله فى طرفة عين أو أقل ، فلِمَ جعله الله يروعه القوم وهو فى بيته؟ ثم يبحثون عنه بعد خروجه من بيته ويختبأ منهم فى الغار لمدة ثلاثة أيام ثم يمشى بعد ذلك فى طريق لا يسلكه سائر الأنام تعمية عليهم، ويدخل المدينة بعد سفر لمدة أسبوع لِمَ كان ذلك؟
لأن الله ضرب لنا المثل والأسوة والقدوة جميعاً بالحَبيب وقال لنا فى شأنه صلوات ربى وتسليماته عليه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21
أراد أن نتأسى به فى حياتنا ونقتدى به صلى الله عليه وسلم فى كل أمورنا فلو أخذ الحَبيب كما قد ذكرنا فى طرفة عين أو أقل ونقله إلى حيث يريد لقلنا جميعاً هذه خصوصية لمقام النبوة ، أما نحن العبيد فشأننا التعب والمشقة والعناء ولكن الله ضرب لنا المثل بسيد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم
وكأن الله يقول لنا: كل من تمسك بدين الله وحرص على أن يعمل بشرع الله لابد أن تواجهه مشاق فى هذه الحياة ولابد أن تقابله مشكلات أو معضلات تريد أن تمنعه من العمل بشرع الله ومن تنفيذ ما يطلبه الله فى كتاب الله أو الحَبيب صلى الله عليه وسلم فى سنته الشارحة والموضحة لكتاب الله ، ماذا يصنع؟
يصنع كما صنع الحَبيب ويعلم علم اليقين أنه مادام يتمسك بشرع الله رغبة فى رضاه وطلباً للفضل من الله ومتابعة لحَبيب الله ومُصطفاه فليعلم علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه أيضاً طرفة عين ولا أقل كما لم يتخلى عن حَبيبه ومُصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه
وحتى لا يظن الإنسان بنفسه ضعفاً إذا كان ليس له نسب كثير ولا معارف من الأكابر والعظماء - فالجميع يظن أن أمور الحياة تُيسر بالحسب أو النسب أو المعارف أو المال - فإن الله قال لنا فى شأن الحَبيب: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} التوبة40
لم ينصره قومه ولم ينصره الذين حوله وإنما الذى نصره هو النصير الأعظم عز وجل وهو رب العزة سبحانه وتعالي ، ولم يقل الله فى الآية: (فقد ينصره الله) لأنه لو قال ذلك كان معنى ذلك أن النصر سيأتى سالفاً
لكن الله ذكر أن النصر معه من قبل القبل من قبل أن يخلق الله الخلق: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} ونصره بالفعل الماضى قبل وجوده وقبل نشأته وقبل إيجاد هذه الحياة الدنيا التى نحيا فيها ونعيش على أرضها
فإن الله قد نصره وأيده بنصره لأن الله أيد بالنصر كل من قام بنبوته أو بتبليغ رسالته وكذلك كل من استجاب للمرسلين وتابع سيد الأولين والآخرين فإن الله ينصره ولكن يعلم علم اليقين قول رب العالمين: {وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ}{1}
فلا يتعجل ولا يستبطئ النصر لكن يعلم علم اليقين قول سيدنا رسول الله: {وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ}{2}
النصر يحتاج إلى الصبر الجميل وعدم الهلع أو الجزع أو الشك فى دين الله أو التشكك فى إنجاز مولاه بل يعلم علم اليقين أن الله سينصره فى الوقت الذى يعلم فيه أن هذا هو الوقت الصالح لنصره والصالح لتأييده لأن الله أعلم منا بمصالحنا أجمعين
{1} مسند الامام احمد وصحيح ابن حبان وسنن ابن ماجة وغيرهم عن أبى هريرة
{2} مسند الإمام أحمد والبيان والتعريف عن ابن عبـاس ، قال: كنت خـلف النبـي يوماً، فقال: «يا غُلامُ إنِّـي أُعَلِّـمُكَ كَلِـمَاتٍ ، احْفَظِ الله تَـجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَـى الله فِـي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِـي الشِّدَّةِ وَاعْلَـمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُصِيبَكَ ، وَمَا أَصَابَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُخْطِئَكَ ، وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً»
[/frame]
|
|