... سَكَنَ الليلُ ونضَّدَتْ يَدُ القُدرة نُجُومَهُ هنا وهناك بِحكمتِها ، ثمّ أطْلَعَتْ في ظُلمتِه وجْهَ البدرِ ليُغَشِّي قليلا منها ، ذلك الوجهُ الذي لابدّ أنّهُ تخليدٌ لذكرى كلّ مُحِبٍّ مشتاقٍ يستبدّ به الشوق حين يأتي الّليل بأشجانهِ ، فيخرجُ ذلك المُحِبُّ على وجهه هائمًا يُخبِرُ عن عشقهِ العُشّاق والطّبيعة والسّماء والجداول وكلّ شيء.. إلى أن يرحلَ الليلُ بأحمالِ أمثالهِ من الحَيَارَى.
.. ومَنْ أنا إلاّ عاشقٌ حائرٌ فَعَلَ به الشوقُ الأفاعيل ، فإذا حلَّ به الليلُ طارَ نومُهُ ، وجلسَ يتأمّلُ صفحةَ السّماءِ مُرصَّعةً بنجومها .. وعلى عرشها يتربّعُ ذلك العاشق العتيد ؟. ... وفي جلوسي إليهِ أتمثَّلُ آلامَ كلّ العاشقين وشغَفَهُم بمعشوقيهم ، وإلى شغفهم يزدادُ شغفي بحبيبتي ويزداد ... ويُدَاعِبُ أجفاني نُعَاسٌ لطيفٌ فترتسمُ الأحلام الجميلةُ بيد حُبّها وحنانها ، ثمّ أصحو بعد غفوتي لأجدها ساكنةً بين أهدابي ، وأتفرّسُ في السّماء ونُجُومِها فأتمنّى لو أنّني أستطيع أن أُعانِقَ السّحاب القُطنِيَّ السّابحِ في بحرِها ، أو أن ألمسَ نُجومَ حُبِّي وأحملها بين كفَّيَّ ثمّ أصنعَ منها عِقْدَ حُبٍّ أزيّنُ بهِ جيدَ حبيبتي ... وآمُلُ لو أنّني أُعطي البدرَ سِرَّ عشقي ليحمِلَهُ إلى كلّ مُحِبٍّ صادقٍ ليزداد نَعِيمُهُ في نار الحبّ ! ثمّ أُشفِقُ على ذلك الحزين أبدًا أنْ يندثر ، فشوقي لا يحملُهُ إلاّ القلبُ الذي خُلِقَ له.
آهِ .. كم أنا مشتاقٌ إليها أيّها البدرُ ! .. هلاّ حمَلْتَ إليها أيّها البدرُ شيئا ممّا اختلجَ في الّذي هو في صدري من اللّوعة عليها والحاجة إليها ؟ ، هلاّ قُلتَ لها أنّي حين أرى حُسنها إنّما أرى مائة قمرٍ وقمر؟ ، هلاّ قُلتَ لها أنّي حين أرى جمالها بين النّساء فإنّما أرى شمسًا مضيئةً وَسْطَ مجموعةِ كويكباتْ ؟! .. هلاّ قُلتَ لها أنّها هي الحُسنُ والنّورُ والجمالُ جميعًا ؟ .. هلاّ قُلتَ لها أَيْ بدرُ أنّها معي في كلّ أحوالي وأنّها حين يُضنيها الشّوقُ إِلَيَّ ، يَرِقُّ النّسيم لكِلَيْنَا فيحملُ شوقها إليَّ وقتَ الأصيلِ وحين يسكُنُ اللّيل ، فيتضاعفُ شوقي إليها وأوَدُُّ لو تحملني الرّيحُ إلى حضرتها كي أعترفَ بين يديها للمرّة الــ ...... أنّني أكادُ أقضي من حُبِّها؟.
قُلْ لها يا بدرُ ، كما قال أستاذي الأديبُ – فيلسوفُ الحبّ والجمال ، الرّافعي رحمه الله - : " قد علِمنا أنّ في السّماء جنّةً ونارًا ، وأقسمُ لو صُغِّرتْ الجنّةُ وجُعِلتْ أرضيّةً تُلائِمُ حياة رجلٍ من النّاس ثمّ عُجِّلَتْ له في هذه الحياة الدّنيا لما كانت بمتاعها ولذّاتها وفنون الجمال فيها إلاّ المرأةَ التي يُحبُّها .." ... وأنا أقسمُ يا حياتي أنّكِ جنّتي في حياتي.
إبراهيم الطاهري يوم 29 مايو 2002م
|
|