مـ
ــع عــمّي الصدّيـــق " الشـــــاوي" : تاريـــخ مجيـــد ... وكرامــــات ..... من الطُرف أنّ هذه الجلسة العابرة مع هذا المجاهد الكبير - رفيق الشهيد المعروف والقيادي البارز المرحوم
مصطفى بن بولعيد - والذي لم أكن أعرفه قبل هذا ، كانت بسبب مروحة من محلّه لم أحسن تركيبها في البيت فعدت إلى المحلّ محتجّا ... ، ومن الغرائب أنّ الرّجل أخبرنا بعد ذلك أننا أخواله وفتح لنا بابا من البحث الجادّ في هذا المضمار ...
عمّي
( الصدّيق رحمون) ابن منطقة الأوراس الأشمّ وابن بوسعادة البار، لا يمكن أبدا أن نتكلّم عنه في بضع أسطر لأنّ تاريخ الرجل طويل يبدأ قبل الأربعينيات أين كان كشافا... بل قبل ذلك .. قتلت فرنسا إخوته الأربعة وكان واحد منهم مراسلا صحفيا سياسيا بباريس ، وأحرقت بيت عائلته الذي لا يزال شاهدا على ذلك إلى يومنا هذا ، كما سلبته أمواله كاملة ، تلك الأموال التي تقدّر بعشرات الملايير حاليا ، اعتقله المستدمر مع مجموعة من إخوانه وعذّبه عذابا أليما حتى شارف على الموت ، استشهد غالبية المعتقلين معه وتمكّن هو من الهرب بأعجوبة والتحق بجيش التحرير إلى غاية الإستقلال ...
للرجل حكايات يرويها كشاهد وليس كناقل عن الآخرين - والأمر يختلف طبعا عندما تسمع ممن عايش الأحداث بنفسه - وتلك الروايات توقظ في المستمع نائم الأحاسيس الوطنية ولا يكاد المرء يتمالك نفسه عند سماع بعضها ,,, يا الله كم قاسى وعانى هؤلاء الرجال من أجل الله والدين والوطن ومن أجلنا !! ...
من أغرب ما روي لي عمّي الصدّيق حكايتان فيهما من الكرامة ما فيهما - ولعلّ ذلك من قوّة الإيمان وحسن الظنّ بالله والله أعلم - :
- روي لي أنّ القائد المباشر له كان معه في المعتقل - وكان المستدمر يخضعهم للعمل الشاق تحت نير السياط - كان يشدّ من أزره ويشجّعه ويصبّره ، وذات يوم عزلت سلطة المعتقل قائده وحملته إلى مكان مجهول ، وكان عمي الصديق يعتقد أنّ الأمر يتعلّق بالتحقيق ، لكنّ قائده استشهد مع زملاء له بطريقة بشعة : حيث أقدم المستدمر على دفنهم أحياء في حفرة قرب المحتشد ، ومن تصريف الأقدار فقد انتبه راع في الجوار لهذا العمل الإجرامي وأخبر المجاهدين بعد مدّة طويلة بذلك ، هنا يقسم عمي الصدّيق - متاثّرا- أنهم لمّا حفروا وجدوا القائد واقفا مبتسما كما رآه آخر مرّة ، قال : فقبلته على حالته تلك إجلالا واحتراما ....
- وقصّ عليّ قصّة غريبة عن والده الذي كان من حفظة القرآن الكريم والذي تولّي التعليم القرآني في منطقته وتولّى القضاء الشرعيّ كذلك ، وكان رجلا زاهدا ورعا ، يقول عمّي الصدّيق : توجّهت مرّة بشاحنة عمّي المحمّلة بالسلع على طول اكثر من 4 أمتار إلى منطقة سطيف ، وكنت وحيدا وبينما كنت اشقّ الطريق المظلم انفجرت واحدة من العجلات الخلفية ، فتوقفت لاستبدالها وكان الأمر شاقا كون العجلة ثقيلة جدا والشاحنة ممتلئة ، فنزّلت عجلة النجدة التي وضعتها في أعلى الشاحنة ( بارتفاع أكثر من 4 امتار) وشرعت في محاولة استبدالها ، لكنني لم أقدر وبينما أنا على تلك الحال من قلّة الجهد والحيرة والخوف ، إذا بي برجل قويّ يخرج من الظلام ويتجه نحوي ويلتقط العجلة في صمت ، يستبدلها بسرعة ويلقي العجلة المثقوبة الثقيلة بحركة واحدة من يده لتجد مكانها في أعلى الشاحنة بدقّة غريبة ... ثمّ يختفي في الظلام مجددا دون أن يكلّمني !! ,,, بعد أن رجعت إلى البيت في الغد - يضيف عمي الصدّيق- وجدت الوالد ينتظرني قائلا : " وش سلكت حكاية العجلة ؟؟ " ، فاندهشت وقلت له : كيف عرفت؟ ، فوضع الوالد يده على فمي وقال : " يا وليدي استر ما ستر الله " ...
*** حــــــــقّا : صدقــــــــوا الله فصدقــــــــــــــهم ***,,, يبقى من الأمانة أن أقول : أنّ عمّي الصدّيق اعترف بالفضل في إنقاذ حياته داخل المعتقل إلى شخصيّة من أولاد سيدي إبراهيم يدعى ( عبد الرحمن) ، ذلك الرجل الذي كان يسقيه و يطعمه الخبز المطحون خفية كون المستعمر نزع غالبية أسنانه تحت التعذيب ومنعه من الأكل والشرب ...
في الصورة : على اليمين عمّي الصدّيق رحمون ، على اليسار الوالد الكريم ..
|
|