يحكى أن جماعة من القنافذ كانت تعيش معًا فى سفح الجبل، فلما جاءها الشتاء ببرده المثلوج، وأخذتها فى الليل رعشة تناولت منها المفاصل والعظام، اقترح عليها واحد منها أن يجتمع شتيتها فى كومة متلاصقه حتى يدفئ بعضها بعضًا بحرارة أجسادها .
لكن جماعة القنافذ لم يكد يلتصق بعضها ببعض طلبا للدفء، حتى أحس كل منها وخز الإبر الحادة المسنونه التى تغطى أجساد زملائه، فما هو إلا أن افصحت كلها عن كظيم آلامها وطلبت أن تعود إلى مواضعها المتفرقة، فلذعة البرد أهون من هذا الوخز الأليم، وعادت القنافذ فتفرقت كما كانت أول أمرها، لكنها كذلك عادت فأحست زمهرير الشتاء يهز كيانها هزًا عنيفًا .
وكأنما نسيت إزاء هذا البلاء ما كان من ألم الوخز منذ قريب، فصاح بعضها ببعض ينشد كلها التلاصق مرة أخرى حتى يعود لها الدفء، وعاد وخز الإبر وأنساها الألم الحاضر ألم الماضى، فضجرت وتفرقت مرة أخرى وهكذا دواليك اقتراب وابتعاد واتصال وانفصال، إلى أن قال منهم قائل حكيم : خطؤنا فى المبالغة والإسراف، فإذا ابتعدنا أوغلنا فى البعد حتى فقد كل منا دفء أخيه وتعرض للبرد الشديد، وإذا اقتربنا أوغلنا فى القرب حتى وخز كل منا جلد اخيه فأدماه .
والحكمة هي في اختيار الموضع الصواب بين الطرفين بحيث ننجو من الوخز دون أن نفقد دفء التقارب ما استطعنا اليه سبيلا، وحكاية القنافذ هذه تقفز الى ذهنى كلما سمعت بخلاف يدب بين أفراد اللأسرة الواحدة، أو بين جماعة من الأصدقاء فكأنما اراد الله لنا ألا نقع أبدًا على هذا الموضع الصواب في علاقتنا بعضنا ببعض، بحيث يبعد كل منا عن شئون الآخرين بعدًا يتيح لهؤلاء الآخرين أن يشعروا بشخصياتهم مستقلة قائمة بذاتها، وبحيث لا يكون ذلك البعد سببًا في حرماننا من دفء العاطفة التى يستمدها بعضنا من بعض .
|
|