احتار أحد الصالحين في أمر النبي المختار لما تحدث عن نفسه وقال {إنَّهُ لَـيُغَانُ علـى قَلْبِـي، وإنِّـي لأَسْتَغْفِرُ الله فـي الـيومِ مِائَةَ مَرَّةٍ}[1]
قال: نمت وأنا في حيرة من هذا الحديث وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه في المنام ويقول له :غين الأنوار لا غين الأغيار يا مبارك
ما هو غين الأنوار؟ سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم في كل نفس له درجات ومقامات لا يعلمها إلا رفيع الدرجات عز وجل فكلما ارتقى إلى مقام رأى أن المقام الذي كان فيه كان غواش أو حجاب حجبه عن الله أو عن جمال من جمالات الله أو عن كمال من كمالات سيده ومولاه فيتوب من المقام الذي كان فيه عندما يدخل هذا المقام الذي يقيمه مولاه عز وجل فيه
إذاً فإنه لا يتوب من الذنوب أو من الأوزار أو من الغفلة ، وهل غفل عن الله طرفة عين أو أقل؟ لم يحدث ، حتى ما حدث له في الصلاة لم يكن نسياناً أو سهوا بمعنى النسيان والسهو المتعارف عليه والموجود في أذهان كثير من الخلق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في شأنه {إِنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ}[2]
لماذا؟ ليسَّن لنا سجود السهو لأنه لو لم يحدث فممن سنتعلم سجود السهو إذا لم يفعله سيد الأولين والآخرين؟ وهو الذي قال {صلُّوا كما رَأَيْتُـمُونـي أُصَلِّـي}[3]
فسهوه ليس كسهونا وإنما كما قال الرجل الصالح :
يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شيء سره فسهى ... عما سوى الله فالتعظيم لله
سها عما سوى الله – سها بجمال مولاه عن جميع خلق الله وهو العبد الأكمل الذي لا يغيبه الجمال ولا الكمال عن الخلق طرفة عين ولا أقل لأنه مقام الحبيب الأكمل ، ومثلنا قد يغيب عن الله لحظات ، وليس هناك ما يمنع ذلك ، لكن رسول الله مقامه مقام العبد الأكمل الفارق الجامع فمع الخلق يرونه في وسطهم كأنه أحدهم ، ومع الحق لا يغيب عن حضرته طرفة عين ولا أقل ، لأنه صاحب المشهدين وصاحب المقامين وصاحب العينين ، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم {مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّـمُ عَلَـيَّ إِلاَّ رَدَّالله عَلَـيَّ رُوحِي ، حَتَّـى أَرُدَّ عَلَـيْهِ السَّلاَمَ }[4]
من أين يردها؟ من الحضرة ، لأنها في السدرة مشغولة بالحضرة ، ولا يوجد نفس إلا وهناك مسلمين يسلمون على سيد الأولين والآخرين إذاً هو في حضور تام مع الحق وفي تواصل تام مع الخلق لأنه الإمام الجامع الأعظم صلى الله عليه وسلم لا يبغي هذا على ذاك ولا ذاك على هذا {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} الرحمن
فهو البرزخ الذي جمع الله فيه البحرين ، بحر الحقيقة وبحر الشريعة فهو في اكمل التواصل مع مولاه وهو كذلك مع خلق الله يرونه كأحدهم حتى يقول قائلهم {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الفرقان7
{أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} القمر24
إنه لا يختلف عنا في شيء في حين أنه لا يغيب عن مولاه وعن جمال وكمال مولاه بعين بصيرته طرفة عين ولا أقل وهذا هو الكمال الأعظم الذي كان عليه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم والكمال لانهاية له وكلما ارتقى في درجات الكمال وفي مقامات الوصال من لدن الواحد المتعال ينظر إلى الدرجة التي كان فيها فيستغفر الله منها ويتوب إلى الله من رؤيتها أو الوقوف عندها عن حضرته عز وجل لأنه كما قال الله في شأنه {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم17
وبمعنى بسيط فلم يشغله مقام عن الله طرفة عين ولا أقل ، فيتوب إلى الله ويستغفر الله تنزيهاً لله أن يكون المقام الذي كان فيه شغله عن مولاه طرفة عين لأنه لا ينشغل إلا بالله في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم
{1} سنن البيهقى الكبرى عن الأَغَرِّ الـمُزَنِـيِّ ورواه مسلـم فـي الصحيح عن يحيـى بن يحيـى وأبـي الربـيع الزهرانـي
{2} موطأ الإمام مالك (222)
{3} رواه البخاري فـي الصحيح عن مـحمد بن الـمُثَنَّى عن عبد الوهاب ، و عن أبي سلـيـمانَ مالكُ بن الـحويرث فى سنن البيهقى الكبرى
{4} الفتح الكبير ، عن أبـي هريرة. و أبو داوود و البيهقى فى الدعوات المبير
[/frame]
|
|