تنص المادة 37 من قانون الأسرة على استقلالية الذمة المالية لكل واحد من الزوجين، فيما يتعلق بالمرأة العاملة.
وجاء في الباب المخصص للنفقة في المادة 74 من نفس القانون: "تجب نفقة الزوجة على الزوج"، أي أن الزوج مطالب بالإنفاق على الأسرة، حتى وإن كانت المرأة عاملة، وليس العكس. وعلى الرغم من وجود نصوص قانونية صريحة، إلا أنها لم تضع حدا لجدل كبير تعيشه أوساط أسرية تتخبط في مشاكل "المصروف" بسبب راتب الزوجة، يبدأ بمناوشات وعدم التفاهم، ويصل في أغلب الأحيان إلى العدالة، في قضايا خلع ترفعها المرأة العاملة ضد زوجها بتهمة الاستيلاء على راتبها ومخلفاتها المالية، أو العكس، قضايا طلاق يرفعها الزوج ضد زوجته بسبب "بخل الزوجة العاملة".
يطرح راتب الزوجة فتنة كبيرة داخل بيت الزوجية، حيث لا تتقبل الكثير من النساء العاملات أن يتصرف أزواجهن في راتبهن، كما يرفض الأزواج في المقابل أن يسمحوا لزوجاتهم بالخروج إلى العمل طوال اليوم دون الاستفادة من الراتب الشهري الذي تتقاضاه. ويعتقد الزوج أنه حق من حقوقه مقابل "تنازله" عن حقوقه الزوجية بسبب غياب الزوجة عن البيت وإهمال بعض واجباتها المنزلية. ويشكل الخلاف على راتب الزوجة أكبر المشاكل طرحا في قضايا الأحوال الشخصية بالنسبة للمرأة العاملة، فلا تخلو عريضة جواب لأية زوجة عاملة تواجه قضية طلاق أو خلع في المحاكم الجزائرية من التأكيد على أن الزوج يستولي على راتبها الشهري وهو أهم سبب كجوهر في الخلافات الأسرية. فتذكر عدة سيدات تواجهن قضايا طلاق أو قضايا المطالبة بالرجوع إلى بيت الزوجية أو قضية خلع بأن الزوج يستولي على راتبها دون علمها أو يجبرها على منحه جزء من الراتب الشهري. وأخطر القضايا تلك المتعلقة بالمخلفات المالية المتراكمة منذ سنوات التي استفادت منها النساء العاملات في الوظيف العمومي، وخاصة في سلك التعليم، حيث تؤكد معلومات من أروقة المحاكم في الجزائر أن أكبر قضايا الطلاق لدى النساء العاملات كانت بسبب المخلفات المالية التي استفادت منها المرأة العاملة والتي تصل بين 50 و60 مليون سنتيم، وفي بعض القطاعات بلغت 100 مليون. كما أن الزيادات في الأجور بموجب قانون الوظيفة العمومية ضخم النزاعات على راتب الزوجة وتسبب في فك رباط الزوجية لأكثر من بيت. وبلغ الأمر إلى جنح الضرب والجرح العمدي، الذي مارسه بعض الأزواج ضد الزوجة العاملة التي ترفض منحهم الراتب أو مخلفاتها المالية الكبيرة.
"الرابال"... لتغيير سيارة الزوج أو دفع أقساط الشقة
أكدت محامية لدى مجلس قضاء العاصمة أنها تولت قضايا طلاق كثيرة يرفعها الزوج أو قضايا خلع ترفعها الزوجة العاملة بسبب عدم قدرة الطرفين على التفاهم فيما يخص مال الزوجة، وأكدت أن من بين القضايا التي تولتها متعلقة بالمخلفات المالية التي حصلت عليها النساء العاملات في قطاع التعليم حيث تعرضن حسب المحامية إلى أبشع أنواع التهديد والضرب والجرح لرفضهن منح "الرابال" إلى الزوج من أجل تغيير السيارة أو دفع أقساط شقة على المخطط.
فمن بين قضايا الأحوال الشخصية التي أطلعتنا عليها المحامية بمحكمة حسن داي خارج الجلسة السرية لسيدة تعمل في سلك التعليم تزوجت مع عون أمن بإحدى الشركات الخاصة.. وبعد مرور سنتين، بدأت الخلافات حول راتبها الذي كانت تجمده في رصيدها لمدة أشهر دون أن تمنح زوجها البعض منه. في البداية عبر عن استيائه منها ومن تصرفها، ثم طلب منها منحه المال لدفعه قسطا من السكن، لكنها رفضت وقالت بأن راتبها هو مقابل تعبها وتنقلها وسهرها ولا يجوز له أن يأخذ منه دينارا واحدا... فقام الزوج برفع دعوى طلاق أمام محكمة حسين داي.
جاء في محتوى الدعوى بأن زوجته تعامله على أنه شخص غريب ولم تساعده في شراء سكن رغم امتلاكها للمال. كما رفعت سيدة عاملة قضية في الجنح بمحكمة سيدي محمد بالعاصمة ضد زوجها بتهمة التهديد والضرب العمدي، وبما أن الجلسة كانت مفتوحة سألها القاضي عن سبب الدعوى فأجابت أنها امرأة عاملة لكن زوجها لا ينفق عليها ولا على أطفالها كما يقوم بالاستيلاء على راتبها مع آخر كل شهر. علما أنه تاجر، فعندما رفضت منحه المال قام بضربها بكدمات في الوجه.
قضية أخرى لرجل متقاعد من الأمن، وزوجته معلمة. طردها من البيت فرفعت عليه دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية، وقالت في مذكرة جواب عن طريق محاميها بأن زوجها ينفق من راتبها دون رضاها، في حين أجاب الزوج عن طريق محاميه: "من حقي أن أنفق من راتبها لأنني متنازل عن حقوقي في العيش المستقر، أنا متنازل عن أكلي الساخن ولباسي النظيف وأتناول وجبة باردة يوميا... فمن حقي أن أتقاضى راتبها أو ألزمها بالمكوث بالبيت".
من جهته صرح الأستاذ إبراهيم بهلولي، محام لدى المحكمة العليا، في هذا النوع من الخلافات حول راتب الزوجة أن "لا اجتهاد أمام نص"، فالقانون واضح كون الذمة المالية المستقلة للزوجة يكفلها قانون الأسرة في مادته رقم 37. ونفقة الزوجة على الزوج يكفلها القانون أيضا في المادة 74 من نفس القانون، كما لا يوجد نص يلزم الزوجة بمنح قسط من مالها أو حتى مساعدة الزوج في الإنفاق على الأسرة، غير أن العرف قائم على مبدإ التعاون والتكافل وهي مسألة حق شخصي للزوجة في التعاون لبناء أسرة.
وإذا كانت الزوجة عاملة فليس من حق الزوج أن يستولي على راتبها إذا كان شخصا مقتدرا، وفي حال ما إذا كان عاجزا، أو يتقاضى راتبا قليلا، فلا مانع من أن تساعده الزوجة في إطار الاتفاق مع تحديد مبلغ مالي معين يقتطع من راتب الزوجة للإنفاق على الأبناء.
لا تلمس راتبي وإلا خالعتك
وقال الأستاذ بهلولي إن الكثير من الأزواج يتذرعون بالبطالة طمعا في راتب الزوجة التي تنفق على سجائر الزوج أو إدمانه على المخدرات والأقراص المهلوسة. فليس من حق الزوجة أن تمنح مالها للزوج في حال ما تأكدت من انحرافه.
ورفعت سيدات عاملات قضايا خلع كثيرة أمام القضاء للانفصال عن أزواجهن لسبب واحد مرتبط بعدم التفاهم حول راتب الزوجة. وتجد النساء العاملات أنفسهن أمام القاضي تطلبن الخلع بسبب "استيلاء الزوج" على الراتب الشهري بالقوة أو دون رضا، فأغلب السيدات العاملات ترفضن أن يشاركهن الزوج مالهن، في حين تفضل أن تتقاسمه أو تمنح جزءا منه للأهل. فحسب شهادة زوج في قضية خلع رفعتها زوجته ضده يقول في مذكرة جواب للقاضي إنه تزوج من سيدة عاملة تمنح دفتر شيكاتها لوالدها ليتقاضى راتبها بدلا عنها، فلم يقبل الزوج بالوضع ورأى أنه من "البخل" و"الشح" أن تتعامل زوجته معه بهذه الطريقة خاصة أمام الوضع الاقتصادي الصعب وتدني مستوى المعيشة علما أنه يدفع سنويا مبلغ إيجار السكن وأعباء الكهرباء والغاز والماء ومصاريف الأطفال الثلاثة من راتب لا يتعدى الأربعين ألف دينار، فيرى الزوج أن من واجب الزوجة أن تشاركه الأعباء الاقتصادية برضاها ولا تبخل على زوجها حتى لا تصل الأمور إلى المحاكم والقضاء.
ومن بين الشهادات التي جمعناها من سيدات واجهن مشاكل الراتب، سيدة من ولاية سوق أهراس تعمل في سلك التعليم تمنح شهريا مبلغا ماليا لزوجها كمساعدة في مصاريف البيت وتمنحه دفتر الشيكات ليسحب ما يريد من مال، إلى غاية أن اختفى لمدة شهر بعد أن سحب مخلفاتها المالية المقدرة بأكثر من40 مليون سنتيم، وعثر عليه متزوجا بشابة في مقتبل العمر تعمل كممرضة في قطاع الصحة استأجر لها بيتا من أموال زوجته السابقة التي لا تزال إلى اليوم تحت تأثير الصدمة.
قصص كثيرة تجعل رأي الشارع الجزائري ينقسم بين مؤيد لأن يحظى الزوج بقسط من راتب الزوجة من باب التعاون على نفقات الأسرة وينبذ المجتمع كل زوجة عاملة لا تساعد زوجها على متطلبات الحياة الاقتصادية كالإيجار ومصاريف تدريس الأطفال ونفقات الأسرة الكبيرة خاصة إذا كان الزوج غير قادر على توفيرها من راتبه الشهري وهناك من يعارض "تطاول" الزوج على راتب زوجته لأن الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي يفرض نفقة الزوجة على الزوج.
المصدر