الملك فاروق والإنجليز ورؤساء مصر الثلاثة لم يعتبروا الإخوان إرهابيين
ما لم يقم به الملك فاروق ولا الانتداب الإنجليزي، وما لم يخطر ببال جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، لجأ إليه نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، عندما رمى الإخوان المسلمين بالإرهاب، وسيباشر بالتأكيد حملة مطاردة لهؤلاء الذين قضت الحكومة المصرية بكونهم إرهابيين، صادمة بذلك كل العالم، خاصة أن الجماعة التي ساهمت في تعليم القرآن ونشر الإسلام في العالم وبعث الصحوة الإسلامية لم يقذفها أي شيوعي أو مسيحي على مدار تاريخه الذي فاق خمس وثمانين سنة بالإرهاب، منذ أن تأسست عام 1928 في الاسماعيلية المصرية من طرف مرشدها حسن البنا.
وساهمت الجماعة في الحياة السياسية بتسميات مختلفة في المحليات والمجالس الشعبية في دول عديدة مثل الكويت والأردن وفلسطين وتونس والمغرب وحتى في تركيا وباكستان، وأيضا في الجزائر، ولم يحدث وأن تم تسميتها بالإرهاب، وفي الجزائر يقال الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة ولا أحد اعتبر الجبهة التي انتخب عليها الكثير من الجزائريين إرهابية، ولا أحد سمى علي بلحاج أو عباسي مدني أو المرحوم نحناح وحتى بويعلي بالإرهابيين، والغريب أن المصريين من إعلاميين وساسة من المبتهجين بوضع الإخوان ضمن الإرهاب، لا يقولون على الصهاينة - ولا نقول الإسرائيليين - إرهابيين، وحتى جمال عبد الناصر الذي حكم على السيد قطب بالإعدام، واتهم الجماعة عدة مرات بمحاولة زعزعة الحكم ومحاولة اغتياله شخصيا لم يسبق له وأن سماها بالإرهابية.
وظهرت جماعة الإخوان المسلمين في العصر المصري الملكي، فكانت لها دائما مواقف محترمة ضد الملكية والتواجد الإنجليزي في مصر، وساهمت جماعة الإخوان المسلمين مع جمال عبد الناصر في قهر الملكية وإعادة الحكم للمصريين، وقدمت له شجاعة تحدّي الحكم الملكي في مصر، ولكنه عندما تمكن من مقاليد الحكم، أزاحها عن الخارطة السياسية، ولظروف سياسية أذاقها مرارة أول ابتلاء عاشته في تاريخها قبل الإبتلاء الحالي، فقتل منها الكثيرين وعلى رأسهم السيد قطب، وزجّ بالكثير منهم في غياهب السجون، ومنهم عمر التلمساني، وحدث في عصره أول تصدير لجماعة الإخوان المسلمين إلى سوريا والعراق وباكستان.
وعندما كان جمال عبد الناصر إخوانيا في الخمسينات، كانت القاهرة تعج بالكثير من القياديين والمفكرين الجزائريين ومنهم هواري بومدين ومالك بن نبي، ولم يتردد ابن باديس في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، في تبادل الرسائل معهم وسار على نهجه البشير الإبراهيمي والعربي التبسي. وحتى أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد نهلا من الإخوان المسلمين الذين يشهد لهم التاريخ قبل حكم جمال عبد الناصر، في أول حرب إسرائيلية عربية عام 1948 أنهم حاربوا ببسالة رفقة جيوش عربية واستشهد منهم المئات في هاته الحرب الحاسمة.
وبقيت الجماعة بعد رحيل جمال عبد الناصر، تنشط في السرّ، ولكنها أعلنت تمردها منذ أن زار الرئيس أنور السادات تل أبيب، وأعلن رفقة ميناحيم بيغن وجيمي كارتر اتفاقية كامب ديفيد للسلام، التي أخرجت مصر من منظومة مقاومة العدو الأول، فكان أكتوبر 1981 هو الذي ردّ الجماعة بقوة إلى المشهد العالمي، عندما اغتال الإخواني خالد الإسلامبولي الرئيس المصري الذي كان يسمي نفسه بالرئيس المؤمن، ورغم إعدام خالد ومن معه في بداية عهد مبارك، إلا أن العالم الإسلامي احترم الجماعة ورآى أن همّها الأول هو قضية القدس الشريف، حيث كان شغلها الشاغل تأديب من يخون فلسطين وليس قلب الحكم وتسلم كرسي الرئاسة، مع الإشارة إلى أن أنور السادات، حاول دائما استمالة الجماعة إلى صف،ه لأنه أطلق سراح من سجنهم جمال عبد الناصر من الإخوان المسلمين.
وأكيد أنه لولا اغتيال أنور السادات من جماعة الإخوان، ما بلغ حسني مبارك مقاليد الحكم، ليعلن الرئيس السابق شبه هدنة مع الجماعة، حيث أصبح بمقدور مرشدها في بداية عهدة حسني مبارك، عمر التلمساني الظهور إعلاميا، وحتى كتابة مذكراته، لتجد الجماعة نفسها في هدنة إجبارية بعد أن أطلق حسني مبارك سراح كل ناشطيها، وسمح لها حتى بالنشاط ضمن أحزاب أخرى كما حدث في الثمانينيات، عندما قام حزب الوفد بضم العديد من رجالات الإخوان المسلمين، ولكن التجربة فشلت عندما انقلب الوفديون على الإخوان، من دون أن يطلق لا الملك فاروق ولا الإنجليز، ولا الرؤساء المصريين الثلاثة، ولا أي دولة في العالم لقب الإرهابيين على الإخوان، والمتابع للإعلام المصري، خاصة الفضائيات الخاصة والعامة يلاحظ ابتهاجها بوضع الجماعة ضمن المنظمات الإرهابية، حيث تقوم قنوات فراعين ودريم والمحور بتقديم جرد تاريخي للإخوان بصور أرشيفية وتقدمهم على أساس أن قرابة قرن من تواجدهم، كانت كلها إرهاب ودم، والغريب أنه بعد تسلم الدكتور محمد مرسي الحكم كانت نفس الصور قد بثت، ولكن بتقارير مختلفة تتحدث عن سلمية الجماعة مقارنة بالجماعات التكفيرية الأخرى، لينقلب الحال وتصبح الجماعة إرهابية.
|
|