رسالة طريفةٌ من الشيخ العالم محمّد المكّي بنعزوز البرجي إلى أخواله (عائلة العلاّمة الشيخ بن أبي القاسم الدّيسي والد الشّيخ الحفناوي ، فوالدة الشيخ بنعزّوز هي السيّدة حفصة اخت الشيخ الحفناوي ، وقد بعث الشيخ بنعزّوز الرّسالة من تركيا بتاريخ 30 ديسمبر 1904م):
 
 **** شكر خاصّ للأستاذ فؤاد قاسمي ****
 
نصّ الرّسالة :
 
      
هـو العلاّمة الجليل السند الثبت الحجة أبو عبد الله محمد المكي بن الولي الصالح الجامع بين علمي الظاهر والباطن الأستاذ سيدي مصطفى بن القطب الشهير المربي سيدي محمد بن عزوز الشريف الحسني الادريسي .
و أمه السيدة حفصة ابنة العالم الجليل العارف بالله سيدي الشيخ بن أبي القاسم الإبراهيمي الديسي .والد الشيخ أبو القاسم الحفناوي صاحب تعريف الخلف برجال السلف .
ولـد رضي الله عنه بنفطة من أرض الجريد من عمالة تونس في 15 رمضان سنة 1270 هـ =1855 م. بعد هجرة والده إلى تونس سنة 1259 هـ = 1843 .
نشأ في حجر والديه يحفظ القرآن بزاوية أبيه الكائنة بنفطة، على يد شيخه السيد اللخمي الصحبي بن الصغير، فأتم حفظه و هو لم يتجاوز الإحدى عشر سنة.
ثم شرع في طلب العلم على أيدي مشائخ الزاوية و كان من شيوخه بها الشيخ قاسم الخياني و الشيخ محمد بن عبد الرحمن التارزي بن عزوز و هو ابن عمه، و قرأ أيضا على الشيخ التوري بن أبي القاسم النفطي و حضر دروس شيخ الشيوخ الأستاذ المدني بن عزوز في شرح الترمذي.
و قرأ في هذه الفترة: شرح الشيخ خالد على الأجرومية، شرح ميارة عل ابن عاشر، ألفية ابن مالك بشروحها، مختصر خليل بشروحه، علم الفلك و علم الفرائض.
و اعتنى بحفظ المتون كالألفية و الأجرومية و مختصر خليل و الرحبية و الدرة البيضاء ....و أتقنها.
رحل إلى تونس العاصمة لمواصلة تعليمه بجامع الزيتونة، و ذلك سنة 1292 هـ، فلقي هناك أساتذة أجلاء و لازم منهم العلاّمة سيدي عمر بن الشيخ المفتي المالكي بالديار التونسية، كما لازم الشيح محمد النجار وسالم بوحاجب و الشيخ محمد البشير التواتي.
أجازه أكثر من خمسين شيخا بتونس و الحرمين و مصر و غيرها، و اجتمعت عنده في جميع الفنون و الكتب المتداولة إجازات سامية و أسانيد عالية قلَّ أن توجد عند غيره.
تفنن في المعقول و المنقول فأصبح من أطواد الأمة و مصابيح الدين، فأذن له أشياخه في التدريس، فتصدى لذلك بزاويتهم بنفطة، و قام بذلك أحسن قيام. و تخرج على يديه جمع غفير من الطلبة في تونس.
في سنة 1297هـ = 1879 م ( و له من العمر 27 سنة ) ولي بلا طلب منه خطة الإفتاء ببلد سكناه نفطة، ولي سنة 1305 هـ = 1887 م خطة القضاء بالالزام و الالحاح، ( و بعض رسائله إلى الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم الموجودة بزاوية الهامل شاهد على ذلك ).
و في سنة 1300 هـ= 1880 هـ خرج قاصدا الجزائر و لحق بالشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم الهاملي وأخذ عنه الطريق و أوراد الرحمانية. كما اتصل بالشيخ المعمر المحدث سيدي علي بن الحفاف مفتي المالكية بالعاصمة وأخذ عنه مع خاله الأستاذ أبو القاسم الحفناوي. و في هذه الفترة كان يتردد على زاوية الهامل، ويدرس بها بعض الفنون و العلوم التي كانت غير موجودة بها، و أخذ عنه في هذه الفترة الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الديسي و الشيخ سيدي محمد و الشيخ سيدي المختار و الشيخ الحفناوي.
في سنة 1306 هـ= 1886 م طلب الاستعفاء من القضاء فأعفي منه والقوم متأسفون.
في سنة 1309 هـ = 1889 م ارتحل مع أهله إلى مدينة تونس العاصمة، و شرع في التدريس بجامع الزيتونة المعمور، درس مختصر خليل، الأربعين النووية، الجامع الصغير، الهمزية و مقامات الحريري و غيرها، واشتهر بالعلم الواسع و الفضل الجامع حتى صار قبلة الطلبة و الأساتذة و الباحثين، و كانت الفتاوى تأتيه من مختلف الأصقاع، فيجيب عنها بما يشفي و يكفي.
في سنة 1324 هـ = 1904 م ارتحل إلى مدينة طرابلس الغرب، فمكث بها شهرين انتفع أهلها بعلمه ومعارفه الجمة، ثم امتطى متن الباخرة إلى بن غازي، فمكث فيها حوالي شهرين مدرسا و معلما، ثم توجه إلى جزيرة كريت و نزل ضيفا مكرما على قاضيها الشيخ البغدادي، ثم ثنى عزمه إلى أزمير، ثم الأستانة، فلقيه في مرساها نخبة من الأفاضل و الأعيان كمحي الدين باشا ابن الأمير عبد القادر، والشيخ محمد ظافر المدني، و الشريف عبد الإله باشا و غيرهم. فنزل عندهم ضيفا مكرما يتداولون ضيافته الواحد بعد الواحد.
اقترح عليه الجماعة هناك نشر دروسه فتصدى لنشر العلوم بعزم ثابت و أقرأ شرح ابن حجر عل صحيح البخاري و المحلى على جمع الجوامع و صحيح مسلم و الألفية والفلك و السيرة النبوية و رسالة القيرواني في الفقه، و غيرها من العلوم و الفنون.
في حدود سنة 1324 هـ أسست الدولة العثمانية كلية عظيمة بالأستانة أطلق عليها اسم " دار الخير" فعين صاحب الترجمة مدرسا بها للحديث الشريف، ثم بعد عامين أبدل اسم دار الخير باسم دار الفنون، و بقي بها الأستاذ مستمرا على دروسه بها فضلا عما كان يلقيه من دروس خارج الكلية.
و في عام 1331 هـ توفي أحد أساتذة الكلية الكبار الشيخ إسماعيل حفني حفيد صاحب التفسير و كان أستاذ التفسير بها، فقلدت وزارة المعارف هذا المنصب لمترجمنا مع إبقائه في منصبه الأول.
و في العام نفسه أسست الحكومة مدرسة الواعظين فعينت الشيخ مدرسا فيها أيضا، و كان رضي الله عنه يلقي دروسه في كلتا الكليتين باللسانين العربي و التركي مع اقتدار عظيم على ذلك.
استمر الشيخ على طريقته الحسنة هذه في نشر العلوم و المعارف، إلى أن أصابه في سنة 1333 هـ مرض أعيا الأطباء علاجه، و أصيب بالفالج لمدة أربعة أشهر توفي بعده و ذلك في شهر صفر 1334 هـ = 1915 م، و دفن في مقبرة يحي أفندي، و حضر جنازته أكابر رجال الدولة و العلماء و الأعيان.
و كان من عاداته رحمه الله المحافظة عل لباسه التقليدي القومي حتى في وجوده بالبلاد التركية، فكان يستورد من بعض أصدقائه بالجزائر كل ما يتعلق بذلك، و كان سمح الكف بلا توقف على فضول أو غنى، و كان رحمه الله سريع التأثر إذا ما رأى ما ينافي نواميس الحياة و الدين، و ما يمس شرف العاملين عليهما من غير تعصب و لا مراء، و لم يعهد أنه تكلم مع أحد بكلام ساقط أو شاتمه.
و كانت مجالسه حية بروح البحوث العلمية و الأدبية، و كان مهاب الطلعة مع طلاقة الوجه و العفة والتواضع و الشهامة.
و شيخه في الطريقة و التصوف و دقائق القوم الولي الكامل سيدي محمد بن أبي القاسم رضي الله عنه، وقد اعتنى بتلميذه و أجازه علما و طريقة، فلاحت أنواره عليه و تضوعت أسرار بركته لديه، و للمؤلف في ترجمة شيخه رسالة سماها " برق المباسم في ترجمة الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم " ضمنها بعض إفاداته الجليلة وسيرته الجميلة و مناقبه الجزيلة.
ـ مؤلفاتـه:
ترك العديد من المؤلفات في مختلف الفنون و العلوم: التوحيد، التفسير، الحديث، الفقه، الأصول، التجويد، القراءات، التصوف، الهيئة، التوقيت، الأدب والتاريخ بين كتب كبيرة و رسائل تجاوزت الستين.
فمن أشهرها المطبوع:
1 ـ رسالة في أصول الحديث، طبعت بالأستانة.
2 ـ العقيدة الإسلامية طبعت بالأستانة، و قررت وزارة المعارف تدريسها في سائر المكاتب السلطانية.
3 ـ هيئة الناسك في أن القبض هو مذهب الإمام مالك، طبعت 1367 هـ.
4 ـ الأجوبة المكية عن الأسئلة الحجازية، طبعت بمصر.
5 ـ الجوهر المرتب في العمل بالربع المجيب، طبع بتونس 1298 هـ.
6 ـ التقرار المهذب في حل تراجم الجوهر المرتب، طبع بتونس 1302 هـ.
7 ـ السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني، طبع بتونس.
8 ـ الدراية فيما ينس براس آية، طبع بتونس.
أمَّـا غير المطبوع أكثر و دونك بعضه:
9 ـ حاشية على صغرى السنوسي.
10 ـ إنارة الحوالك في أن الرفع مذهب الإمام مالك